وفي جواب الشرط وجهان:
أحدهما: من كان عدوّا لجبريل فقد أخطأ الطريق؛ لأنه نزل الكتاب على قلب محمد مصدقا لما معكم من التوراة.
والثاني: من كان عدوّا لجبريل فهو حقيق بمعاداته له؛ لأنه بين زيف اليهود، وبما أنزله الله معه من الكتاب وقوله بعد ذلك: {مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلّهِ وَمَلائِكَتِهِ} جزاؤه محذوف، التقدير: لم يعبأ الله بعداوته.
{نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللهِ} يعني التوراة. وقيل: القرآن. {وَراءَ ظُهُورِهِمْ} أي: لم يعملوا بما فيه ولقد وضعوه على الكراسي وذهّبوه بالذّهب، وحلوا غلافه وخريطته (١) بالذهب والفضة، وطيبوه بالمسك والعنبر، ولم يعملوا به فقيل فيهم:
{فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ} آل عمران: ١٨٧ ثم استبدلوا به ما أخذوه من الرّشا على كتمان صفة النبي صلّى الله عليه وسلم وتغيير آية الرجم وغيرهما.
{وَاتَّبَعُوا} معطوف على {فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ} {ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ} أي: تتبع، وقيل: ما تقرأ، أي: على عهد ملك سليمان. (٩ /ب) {هارُوتَ وَمارُوتَ} اسمان أعجميان، ولذلك منعا من الصرف مع العلمية، ولا وجه لاشتقاقهما من الهرت والمرت (٢). {إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ} أي: سبب فتنة. وقيل: شيء مستحسن؛ كقولهم في الشابة الجميلة: إنها فتنة.
وقد علق على فعل العلم باللام في قوله: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ} والخلاق:
النصيب {وَلَبِئْسَ ما} باعوا {بِهِ أَنْفُسَهُمْ}؛ كقوله: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} يوسف: ٢٠ أي: باعوه.
(١) الخريطة: مثل الكيس تكون من الخرق والأدم تشرج على ما فيها، ومنه خرائط كتب السلطان وعمّاله.
ينظر: لسان العرب: (خرط).
(٢) ذكر ياقوت الحموي في (معجم البلدان) (٥/ ٣٨٨) أن هاروت من الهرت وهو الشق. قال السمين الحلبي في الدر المصون (١/ ٣٢١): «ويجمعان على هواريت ومواريت وهوارتة وموارتة، وليس من زعم اشتقاقهما من الهرت والمرت وهو الكسر بمصيب؛ لعدم انصرافهما، ولو كانا مشتقين كما ذكر لانصرفا».