{فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣) اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤) وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٥٦) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٥٧) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ مُبْطِلُونَ (٥٨) كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٥٩) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (٦٠)}
{مِنْ فَضْلِهِ} من عطائه: {يُرْسِلُ الرِّياحَ} وهي الجنوب والشمال (١٨٢ /أ) والصبا، وهي رياح الرحمة، وأما الدبور فريح العذاب، أرسل الله تعالى رياح الرحمة لأمور منها:
البشارة بالغيث، وإذاقة الرحمة، وحصول الخصب، وجريان الفلك في البحر.
قوله: {مِنْ رَحْمَتِهِ} يجوز أن يتعلق بقوله: {مُبَشِّراتٍ} لأن البشارة نوع من إذاقة الرحمة، وأن يتعلق بمحذوف، التقدير: {وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} أرسلها.
قوله: {وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} رفع من شأن المؤمنين، وأن الله تعالى ضمن لهم حصول النصر في العاقبة، وتكرير {مِنْ قَبْلِهِ} للدلالة على تعظيم ما منحهم به، وهذا التكرير كقوله: {أَنَّهُما فِي النّارِ خالِدَيْنِ فِيها} (١).
{خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} يعني: أن أصل ما بني عليه أصل نشأتكم الضعف. وقيل: من ضعف النطفة؛ كقوله: {مِنْ ماءٍ مَهِينٍ} (٢). {السّاعَةُ} القيامة؛ سميت بذلك لأنها تقع في آخر ساعات الدنيا، أو لأنها تقع سريعا؛ لقوله: {لا تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً} (٣). وصارت الساعة علما للبعث؛ كالنجم للثريا. {ما لَبِثُوا} أي: في القبور، أو في الدنيا، أو ما بين النفختين. {فِي كِتابِ اللهِ} في اللوح المحفوظ، أو في علم الله وقضائه {يُسْتَعْتَبُونَ} يستعرضون، وحقيقته: أعتبته، أزلت عتبه.
(١) سورة الحشر، الآية (١٧).
(٢) سورة السجدة، الآية (٨).
(٣) سورة الأعراف، الآية (١٨٧).