البناء وأعلاه بمعنى، والصعر والصيد: هو ميل العنق، وأصله داء يصيب الإبل، فتميل أعناقها، والمعنى: أقبل على الناس بوجهك تواضعا، ولا تولهم شق وجهك كما يفعل المتكبرون.
{وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً} أراد: ولا تمش تمرح مرحا، أي: أوقع المصدر موقع الحال يعني مارحا؛ كقولك: جاء زيد ركضا، أي: راكضا، ويجوز أن يريد المفعول من أجله؛ أي: لا تمش في الأرض لأجل المرح، ومنه قوله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً} (١).
{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩) أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠)}
{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} أي: ليكن مشيك متوسطا بين الإسراع والوثوب ومشي المتماوتين. وقول عائشة في عمر: "كان إذا مشى أسرع" (٢) تعني: سرعة مرتفعة عن مشي المتماوتين.
يقال: شيء نكر تنكره النفوس، ومنه: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ} أي: أحقها بالإنكار.
والحمار مثل لمن يرفع صوته فوق الحاجة، ولفظ الحمار مستنكر حتى عدوا من جملة الآداب ألا يذكر لفظ الحمار في مجلس فيه أكابر الناس، ويكنون عنه بطويل الأذنين. ومنه لفظ الكلب لما ضرب به المثل في الكفار قال {ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا} (٣) وقال في التمثيل بالحمار: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ} (٤). وقوله: {فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ} (٥).
(١) سورة الأنفال، الآية (٤٧).
(٢) ذكره الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار (٣/ ٧٦) وقال: غريب. وفي النهاية لابن الأثير عن عائشة قالت: "كان عمر إذا مشى أسرع وإذا قال أسمع وإذا ضرب أوجع".
(٣) سورة الأعراف، الآية (١٧٦).
(٤) سورة الجمعة، الآية (٥).
(٥) سورة المدثر، الآية (٥٠).