{اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥) النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٦)}
وقيل: كانت العرب إذا رأوا من رجل جمالا وسيرة حسنة ضمه رجل منهم إلى نفسه وتبناه، جعله ابنه وأعطاه ما يعطي أحدا أولاده، ثم نسخ ذلك بقصة زيد بن حارثة، ونزل فيه: {ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ} الآية (١).
{فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا} لهم أبا فهم إخوانكم في الدين، نصفه بالأخوة، ولا نصفه بالبنوة.
{وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ} في موضع خفض، عطفا بلفظة "لكن" على "ما" في قوله:
{فِيما أَخْطَأْتُمْ} ويجوز أن (١٨٨ /أ) يكون محله الرفع على الابتداء، والخبر محذوف تقديره: ولكن ما تعمدت قلوبكم فيه الجناح. وقوله: {فِيما أَخْطَأْتُمْ} يريد به تسميته الدعي ابنا قبل التحريم أو بعده على سبيل الإكرام للشخص، ويجوز أن يراد العفو عن الخطأ به في مسألة الدعي وغيره. فإن قلت: ما حكم التبني؟ قلت: إذا استلحق صبيّا في سن تحتمل أن يكون ولدا له ثبت النسب والميراث، وإن كان عبدا عتق مع ثبوت النسب، وإن كان لا يولد مثله لمثله لم يثبت النسب، ولكنه يعتق عند أبي حنيفة، ولا يعتق عند صاحبيه. وأما المعروف النسب فلا يثبت نسبه بالتبني، وإن كان عبدا عتق (٢).
قوله: {النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} تجب طاعته عليهم في المنشط والمكره، وتقديم أوامره على مصالح أنفسهم، حتى قال بعض أصحاب الشافعي: يجوز له - عليه السلام - أن يأخذ الماء من العطشان، وإن لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم مضطرا، ويجب أن يبذلوا نفوسهم له (٣).
(١) رواه الطبري في التفسير (٢١/ ١١٩).
(٢) ينظر: الهداية شرح البداية للمرغيناني (٥٢، ٢/ ٥١)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق لزين بن إبراهيم (٢/ ٢٥٠).
(٣) ينظر: روضة الطالبين للإمام النووي (٧/ ٨)، وكذا مذهب الحنابلة، ينظر: الإنصاف للمرداوي (٤٢، ٨/ ٤١)، كشاف القناع للبهوتي (٥/ ٢٧).