عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه" (١).
{يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا} لم ينهزموا وقد انهزموا وانصرفوا عن الخندق راجعين إلى المدينة؛ لما نزل بهم من الخوف الشديد. {وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ} كرة ثانية يتمنوا؛ لخوفهم مما منوا به {لَوْ أَنَّهُمْ} خارجون إلى البدو. {يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ} من كل قادم منهم من جانب المدينة عن أخباركم وعما جرى عليكم. {وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ} ولم يرجعوا إلى المدينة وكان قتال: {ما قاتَلُوا إِلاّ قَلِيلاً} إلا بعلة رياء وسمعة.
{لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} في ثباته مع انهزامكم حتى كسرت رباعيته، وشج وجهه وقوله: {لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} فيه وجهان: أحدهما: أن الرسول نفسه أسوة، أي: يقتدى به؛ كما تقول: في البيضة عشرون منا؛ أي: هي في نفسها هذا المبلغ. والثاني: أن فيه خصلة حقها أن يتأسى بها.
قوله: {لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ} بدل من قول: "لكم" بإعادة الجار؛ كقوله: {لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} (٢). {يَرْجُوا اللهَ} قيل: يخافه. وقيل: يأمله. وقيل: الأمران {وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً}
{وَلَمّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلاّ إِيماناً وَتَسْلِيماً (٢٢) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (٢٣) لِيَجْزِيَ اللهُ الصّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٤)}
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لأصحابه: "يأتيكم الأحزاب لتسع أو عشر، يعني:
لتسع ليال أو عشر، فلما جاءوا في العدد الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم {قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ} (٣) {وَما زادَهُمْ} رؤية ذلك {إِلاّ إِيماناً} بالله {وَتَسْلِيماً}
(١) هذا جزء من الحديث القدسي المشهور الذي أوله:" من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب ... " الحديث.
رواه البخاري في صحيحه رقم (٦٥٠٢)، وابن حبان في صحيحه رقم (٣٤٧) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه سبحانه وتعالى.
(٢) سورة الأعراف، الآية (٧٥).
(٣) ذكره الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف (٣/ ١٠٠) عن ابن عباس، ولم يعلق عليه.