فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت آية الحجاب (١).
{وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ} (١٩٧ /ب) أي: ولا يتأتى لكم إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نكاح أزواجه من بعده، وفيه تطييب لقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه إذا قيل للإنسان: قاتل ومعك هذا العبد، فإنك إذا مت لا يملكه أحد بعدك - طابت نفسه بالزوجة المحترمة المصونة إذا قيل له: إنها لا تستبدل بعدك كان أطيب لنفسه وأقر لعينه.
ولما نزلت {فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ} الآباء والأبناء أو نحن نمنع من أقاربنا؟ فنزلت {لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ} (٢) أي: لا إثم عليهن في ترك الاحتجاب من الآباء والأبناء، وترك ذكر العم والخال؛ لأن العم أب؛ قال الله تعالى: {وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ} (٣) وإسحاق عم، والخالة بمنزلة الأم في الحضانة، وقوله: {وَاتَّقِينَ اللهَ} انتقال من الغيبة إلى التكلم، وفيه دليل على اهتمام واعتناء بهذه الإباحة.
{إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٥٤) لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٥٥) إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٥٦)}
قوله: {صَلُّوا عَلَيْهِ} معناه: إن الله يأمركم ويأمر ملائكته أن تسألوا للنبي صلى الله عليه وسلم الرحمة، وتجب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لقوله: {صَلُّوا} وهو أمر، والأمر يقتضي الوجوب واختلف في وقت الوجوب؛ فقيل: تجب كلما ذكر، وفي الحديث: "من ذكرت عنده ولم يصل عليّ فدخل النار فأبعده الله" (٤).
(١) نسبه السيوطي في الدر المنثور (٥/ ٤٠٢) لابن سعد عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولابن أبي حاتم وابن مردويه بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنها.
(٢) ذكره الزمخشري في الكشاف (٣/ ٥٥٧).
(٣) سورة البقرة، الآية (١٣٣).
(٤) رواه ابن حبان في صحيحه رقم (٤٠٩)، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب رقم (٢٤٩٩) ونسبه لابن خزيمة وابن حبان. وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع رقم (٧٥) وهو جزء من حديث أوله: "أتاني جبريل فقال: يا محمد، من أدرك أحد والديه فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين. فقلت: آمين. قال: يا محمد من أدرك شهر رمضان فمات فلم يغفر له فأدخل النار فأبعده الله، -