وعصر المماليك. واتسم هذان العصران بكثرة الفتن الداخلية والخارجية؛ تمثلت الفتن الداخلية في الخلاف والصراع على تقاسم السلطة بين أبناء صلاح الدين بعد موته، مما أدى إلى سقوط دولتهم في نهاية الأمر سنة ٦٤٨ هـ. وقامت على إثرهم دولة المماليك، التي لم تخل أيضا من القلاقل والفتن والخلاف حول تولي السلطة والحكم بين الأمراء والسلاطين، حتى وصل الأمر إلى التقاتل والصراعات التي أودت بحياة البعض منهم.
أما الفتن الخارجية فقد تمثلت في الخطرين الرهيبين اللذين أحدقا بالأمة في ذلك العصر وهما: الخطر الصليبي الأوربي، وما نتج عنه من حروب شديدة طاحنة عرفت في التاريخ (بالحروب الصليبية)، وقد استمرت زمنا طويلا، وانتهى الأمر إلى الهزيمة الشديدة للصليبيين على يد البطل المسلم صلاح الدين الأيوبي في موقعة حطين الخالدة سنة ٥٨٣ هـ وأعاد الأقصى وبيت المقدس للمسلمين بعد احتلال زاد على تسعين عاما تحت أيدي الصليبيين.
ثم جاء الخطر الثاني وهو خطر التتار الذين هجموا هجمة شرسة على العالم الإسلامي، واستولوا على عاصمة الخلافة الإسلامية آنذاك بغداد وقتلوا الخليفة العباسي، واتجهوا نحو الاستيلاء والسيطرة على العالم الإسلامي كله، ولكن الله - تعالى - رد كيدهم في نحورهم، وهيّأ من الأمة من يرد هذا الخطر الرهيب، وظهر القائد البطل المصري المظفر قطز الذي وحّد بين جيش المسلمين في مصر والشام، وتصدى للتتار وألحق بهم هزيمة منكرة في موقعة (عين جالوت) سنة ٦٥٨ هـ.
ثانيا - الحالة الاجتماعية والاقتصادية
إن الحالة الاجتماعية والاقتصادية في أي عصر تكون تابعة للحالة السياسية، وقد انعكس ذلك الأمر في تلك الفترة التي عاشها السخاوي فقد عاش في الشام ومصر، وكانت البلاد في القطرين تمرّ بظروف متشابهة اجتماعيّا واقتصاديّا؛ فاجتماعيّا كان المجتمع يتألف من مجموعة من الطبقات وهي:
- الحكام وأعوانهم: وكانوا يعيشون في بحبوحة من العيش والترف والبذخ، وظهر في هذه الطبقة بعض المظالم والمفاسد.
- العلماء والفقهاء: وكانوا حلقة الوصل بين الحكام والعامة، وكان الناس يجلّونهم ويحترمونهم لا سيما أهل الحق والشجاعة منهم، الذين لا يخافون في الحق لومة لائم كعلم الدين السخاوي - رحمه الله - وأمثاله فيناصحون الحكام وينكرون عليهم المنكر الذي يظهر منهم. وكان منهم مجموعة من المداهنين للحكام فلا يأمرونهم بمعروف ولا ينهونهم عن منكر، مما أظهر بعض الخلاف بين الفريقين من العلماء.