{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٥٠) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ (٥١) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنّا لَمَدِينُونَ (٥٣) قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (٥٤) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (٥٥) قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦) وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٥٧) أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨) إِلاّ مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٥٩) إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٠) لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (٦١) أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (٦٢) إِنّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظّالِمِينَ (٦٣)}
وإنما عطف بالفاء في قوله: {فَأَقْبَلَ} في هذه الآية؛ لأنه لما وصفهم بأنهم مكرمون في جنات النعيم أتبع ذلك حالة المتحدثين على الشراب؛ يتحدثون بما يسر جلساءهم.
قرئ "لمن المصدّقين" بالتشديد، أي: يتصدقون على المحتاجين، وبالتخفيف في الصاد من التصديق (١). وقيل: نزلت في رجلين تصدق أحدهما بجميع ماله فافتقر؛ فسأل صاحبه أن يعينه بشيء، فقال له: وأين مالك؟ فقال: تصدقت به كله؛ أرجو به ثواب الله؛ فقال: {أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ} الآية، والله لا أعطيك شيئا (٢).
{لَمَدِينُونَ} لمجزيون، من الدين وهو الجزاء، قال ذلك القائل وهو في الجنة لأصحابه الذين معه: {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} معي، فينظرون {فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ} أي: في وسط الجحيم، فقال له: تالله لقد كدت أن ترديني وتهلكني. وقيل: القائل الله سبحانه.
{إِنْ} هي المخففة من الثقيلة، وهي تدخل على نواسخ الابتداء، واللام هي الفارقة بين النافية والمثبتة. {وَلَوْلا} عصمة ربي (٢١٧ /ب) {لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} في العذاب {أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ} كما زعمت {إِلاّ مَوْتَتَنَا الْأُولى} {إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} يعني: إن هذا التخلص مما عذب به الكفار، ومن تبكيت المؤمن للكافر - لهو الفوز العظيم.
{خَيْرٌ نُزُلاً} خير حاصلا، وحاصل الرزق المعلوم التلذذ والسرور، و {شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} الحزن والغم. ويجوز أن يكون حالا؛ كقولك: هذا رطبا خير منه بسرا. والنزل: ما يقام من الطعام والشراب وغيرهما. وقوله: {أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً} تبكيت على اختيارهم الباطل.
(١) قرأ بها حمزة في رواية علي بن كيسة عن سليم عنه. تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ٣٦٠)، تفسير القرطبي (١٥/ ٨٢)، الدر المصون للسمين الحلبي (٥/ ٥٠٣)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٣٤١)، معاني القرآن للأخفش (٢/ ٤٥١).
(٢) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٤٤)، وذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور (٧/ ٩٠).