أنه إذا كان في هذا المركب عبد آبق لا تسير؛ فقال يونس: أنا العبد الآبق، وزج نفسه في الماء.
{مُلِيمٌ} وهو داخل في الملامة (٢٢٠ /ب) {مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} من الذاكرين الله كثيرا بالتسبيح. وقيل: قوله: {لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ} (١).
وعن ابن عباس: "كل تسبيح في القرآن فهو صلاة" (٢) وهذا دليل على أن الله طلب من العبد أن يكثر من ذكره في وقت المهلة، ويتخذ ذلك عدة للشدائد. {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ} الظاهر لبثه فيه حيا إلى يوم القيامة. وقال قتادة: ولولا ذلك لكان قبرا (٣). وروي أن الله تعالى أوحى إلى الحوت حين ابتلعه: إني جعلت بطنك له سجنا، ولم أجعله لك طعاما (٤).
قيل في مدة لبثه: أربعون يوما. وقيل: عشرون. وقيل: سبعة أيام. وعن الحسن: لم يلبث إلا قليلا ثم أخرج من بطنه بعيد الوقت الذي التقمه فيه. وروي أنه لبث يسيرا والحوت يلاحق السفينة، ويونس يسبح حتى وصل إلى قريب البر فألقاه سالما لم ينخدش منه شيء (٥). وروي أن الحوت قذفه من الموصل يقال لها: نينوى (٦).
{فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (١٤٦) وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧) فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (١٤٨)}
والعراء: المكان الخالي من الشجر. {وَهُوَ سَقِيمٌ} عليل مما حل به. وروي أن بدنه صار كبدن الصغير حين يولد. واليقطين: كل ما سرح على وجه الأرض وليس له ساق.
(١) سورة الأنبياء، الآية (٨٧).
(٢) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٥/ ٥٤٣) ونسبه لعبد الرزاق وابن أبي حاتم وابن المنذر وابن جرير وأحمد في الزهد. وذكره الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف للزمخشري (٣/ ١٨٠) وزاد نسبته لابن مردويه.
(٣) رواه الطبري في تفسيره (٢٣/ ١٠١) ونسبه السيوطي في الدر المنثور (٧/ ١٢٧) لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه.
(٤) ذكر السيوطي في الدر المنثور (٧/ ١٢٧) ونسبه لعبد بن حميد وابن جرير عن شهر بن حوشب رضي الله عنه قال:
"انطلق يونس عليه السلام مغضبا فركب مع قوم في سفينة فوقفت السفينة لم تسر فساهمهم فتدلى في البحر فجاء الحوت يبصبص بذنبه فنودي الحوت: إنا لم نجعل يونس لك رزقا، إنما جعلناك له حرزا ومسجدا".
(٥) ذكر السيوطي هذه الأقوال في الدر المنثور (٧/ ١٢٧ - ١٢٨).
(٦) ينظر: الكشاف للزمخشري (٤/ ٦٢).