اختصم إليّ رجلان في بئر؛ فقال: أحدهما: هي بئري وأنا فطرتها. أي: أبدأت حفرها" (١).فإن قلت: ما العامل في قوله: {وَإِذا ذُكِرَ اللهُ؟} قلت: المفاجأة؛ كقوله:
{إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} رسول الله صلى الله عليه وسلم وشق عليه خلافهم؛ فأمره الله أن يلتجئ إليه.
{وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} هذا في الوعيد (٢٣٢ /ب) كقوله في الوعد: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} (٢).
{وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (٤٧) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٤٨) فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٩) قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥١) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢) قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣) وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (٥٤) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٥٥)}
قوله: {وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ} أي: حل ونزل بهم {ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} به من العذاب. {فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ} التخويل مخصوص بالتفضل؛ تقول: خولني فلان مالا، أي: أعطاني بغير جزاء. {عَلى عِلْمٍ} أي: على علم من الله سبحانه باستحقاقي له؛ كقول قارون: {إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي} (٣)
وقيل: علم من الله عز وجل بأني أهل لذلك، والضمير في {أُوتِيتُهُ} للنعمة المؤنثة، و {نِعْمَةً مِنّا} شيء من النعمة وجزء من أجزائها، يعني: ليس عطاؤنا إياك تخويلا.
{بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ} أي: هذا الإعطاء إنما هو فتنة، والفرق بين الواو في قوله في أول السورة: {فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ} وبين الفاء في هذه الآية: أن الفاء هاهنا وقعت مسببة عن
(١) رواه الطبري في تفسيره (٧/ ١٥٩).
(٢) سورة السجدة، الآية (١٧).
(٣) سورة القصص، الآية (٧٨).