آباءكم ولو جئتكم بأقوى وأرشد مما عليه آباؤكم؟ قالوا: نحن لا ننفك عن دين آبائنا.
{بَراءٌ} يستوي فيه المذكر والمؤنث والجمع والإفراد.
قوله: {إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي} يجوز أن يكون استثناء منقطعا منتصبا بذلك، وأن يكون مجرورا بدلا من (مّن)، وكانوا يعبدون الله مع أوثانهم، وأن تكون {إِلاَّ} بمعنى غير كقوله: {لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ} (١) بمعنى غير الله. قال في موضع: {يَهْدِينِ} (٢) وقال هاهنا {سَيَهْدِينِ} والجمع بينهما بأن يكون إبراهيم معترفا بأن الله هداه وبأنه سيهديه من المستقبل. وجعل إبراهيم هذا الكلام من التوحيد {كَلِمَةً} أي: جملة مفيدة {باقِيَةً} في ذريته فلا يزال فيهم من يوحد الله؛ كقوله: {وَوَصّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ} (٣). وقيل: وجعلها لله.
{بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (٢٩) وَلَمّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنّا بِهِ كافِرُونَ (٣٠) وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ (٣٢)}
{بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ} متعتهم بالمال والغنى فلم يقوموا بما قرره إبراهيم من التوحيد فكذبوا الرسول به. {وَلَمّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنّا بِهِ كافِرُونَ} القريتان: مكة والطائف. وقيل:
{عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ} هما: الوليد بن المغيرة، وحبيب بن عمير الثقفي. وعن ابن عباس ومجاهد: هما عتبة بن ربيعة وكنانة ابن عبد ياليل (٤) وكان عتبة يقول: لو كان ما يقول محمد حقا لكنت أنا أحق بالنبوة منه، أو ابن مسعود الثقفي. وعظموا الرجلين لمالهما وجاههما، ولم يعلموا أن العظيم من عظمه الله، وتحكموا في تعيين أحد هذين الرجلين
(١) سورة الأنبياء، الآية (٢٢).
(٢) وهو قوله - تعالى -: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ سورة الشعراء، الآية (٧٨).
(٣) سورة البقرة، الآية (١٣٢).
(٤) رواه الطبري في تفسيره (٢٥/ ٦٥)، قال الطبري في تفسيره (٢٥/ ٦٦): "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال كما قال جل ثناؤه مخبرا عن هؤلاء المشركين وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ إذ كان جائزا أن يكون بعض هؤلاء ولم يضع الله تبارك وتعالى لنا الدلالة على الذين عنوا منهم في كتابه ولا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم والاختلاف فيه موجود على ما بينت".