فإن قلت: كيف يجوز أن يجاب "لما" ب "إذا"؟
قلت: إذا للمفاجأة، والمعنى أنهم بادروا بالاستهزاء قبل التثبت.
{وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤٨) وَقالُوا يا أَيُّهَا السّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (٤٩) فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (٥٠) وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (٥٢) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣)}
ومعنى {وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها} أي: إلا وهي أكبر مما يقرن بها، فلا يعارض قوله: هي أكبر من أختها التي فضلت عليها؛ لأن المقصود وصفها بالكبر والعظم، فلا تعارض إذن. وربما اختلفت آراء الناس في التفضيل؛ فبعضهم يرجح هذا وبعضهم يرجح ذاك، ولهذا فاضلت الأنمارية بين أولادها لما سئلت عن أفضلهم، فقالت:
هم كالحلقة، لا يدرى أين طرفاها (١).
لفظ {السّاحِرُ} حمل على ظاهره، وكانوا كاذبين في قولهم: {إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ} ناوين للخلف؛ لقوله: {إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ}. وقيل: إن الساحر كان اسما للعالم الفاضل، وكان السحر أبهة؛ فعظموه في زعمهم بقولهم: {يا أَيُّهَا السّاحِرُ}. {بِما عَهِدَ عِنْدَكَ} بما أعلمك أن دعوتك مستجابة، أو بعهده عندك وهو النبوة، أو عهد عندك فوفيت، أو: هو الإيمان وشرائعه، أو: {بِما عَهِدَ عِنْدَكَ} أن من تاب (٢٥١ /ب) عن المعصية فقد اهتدى.
{وَنادى فِرْعَوْنُ} أمر بالنداء في مجالسهم ومجتمعهم، ويجوز أن يكون عنده عظماء القبط فرفع فرعون صوته بهذا النداء يشبه النداء. قيل: كانت تجري تحت قصره أو تحت سريره، أو: تجري بأمره حيث يأمر بكسرها، ويجوز أن تكون الواو عاطفة الأنهار على {مُلْكُ مِصْرَ} و {تَجْرِي} نصب على الحال منها، وأن تكون الواو للحال واسم الإشارة مبتدأ، و (الأنهار) صفة لاسم الإشارة، و {تَجْرِي} خبر للمبتدأ.
"أم" في قوله: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ} للاستفهام؛ لأن المعنى: أتبصرون أم لا تبصرون؟ فقد
(١) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٢٥٦)، والمباركفوري في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي (٨، ١٣٩)، والمناوي في فيض القدير (٢/ ١٨٥) والمعنى: الكمال، فلا يفضل طرف على آخر.