{الْعالَمِينَ (٣٢) وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤)}
{فَأَسْرِ} أي: احملهم على السّرى معي فقد دبر الله هلاك فرعون بأن ينجو المتقدمون ويغرق الآخرون. الرهو: الساكن؛ أي: يغرقهم البحر ثم يبقى ساكنا غير مضطرب.
وقيل: الرهو: الفجوة الواسعة، تقديره: اتركه على حاله غير مضطرب.
قوله: {وَمَقامٍ كَرِيمٍ} المنازل والمجالس. وقيل: المنابر. والنّعمة بالفتح: من التنعم، وبالكسر: من الإنعام. {كَذلِكَ} الكاف في موضع نصب، أي: مثل الإخراج أخرجناهم منها {وَأَوْرَثْناها} أو في موضع الرفع تقديره: الأمر كذلك. {قَوْماً آخَرِينَ} هم بنو إسرائيل كانوا يستضعفون، فأورثهم الله مشارق الأرض ومغاربها. كانوا إذا مات رجل كبير منهم قالوا: بكت عليه السماء والأرض، وبكته الريح، وأظلمت له الشمس، وفي الحديث:" ما من مؤمن يموت في غربة غابت عنه فيها بواكيه إلا بكت عليه السماء والأرض يبكي عليه (٢٥٥ /أ) مصعد عمله في السماء وموضع سجوده في الأرض " (١).
{مِنْ فِرْعَوْنَ} بدل من العذاب المهين؛ فإن فرعون كان عذابا مهينا في نفسه لإفراطه في التعذيب، ويجوز المعنى: من العذاب المهين واقعا من جهة فرعون. {إِنَّهُ كانَ عالِياً} كقوله: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ} (٢) الضمير في {اِخْتَرْناهُمْ} لبني إسرائيل {عَلى عِلْمٍ} منا بأهليتهم. {وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا} أي: امتحان؛ لأن الله يبلو بالنعم كما يبلو بالمصائب؛ قال الله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} (٣).
{إِنَّ هؤُلاءِ *} إشارة إلى كفار قريش. فإن قيل: ما معنى: {مَوْتَتُنَا الْأُولى} وكان النزاع في حياة ثانية وموتة ثانية؟ وما معنى ذكر الأولى في صفة الموتة؛ كأنهم وعدوا موتة أخرى فجحدوها؟ قلنا: تقدير كلام المسلمين للكفار: إنكم تموتون هذه الموتة في الدنيا، ثم يتعقبها حياة فأنكروها وهو قوله {وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} (٤)
(١) ذكره الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف للزمخشري (٣/ ٢٦٨) ونسبه للبيهقي في شعب الإيمان والطبراني.
(٢) سورة القصص، الآية (٤).
(٣) سورة الأنبياء، الآية (٣٥).
(٤) سورة البقرة، الآية (٢٨).