{وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩) هذا بَصائِرُ لِلنّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٢٠)}
و {الْكِتابَ} التوراة، و {وَالْحُكْمَ} الحكمة والفقه، أو فصل الحكومات بين الناس؛ لأنهم كانوا ملوكا وأنبياء. {مِنَ الطَّيِّباتِ} من الحلالات.
{وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ} لم نؤت غيرهم مثل ما آتيناهم {بَيِّناتٍ} آيات معجزات {مِنَ الْأَمْرِ} من أمر الدين فما وقع بينهم الخلاف، {إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ} بصحة نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما أخلفوا لبغي حدث بينهم، أي: عداوة وحسدا.
{عَلى شَرِيعَةٍ} على طريقة {مِنَ الْأَمْرِ} من أمر الدين {فَاتَّبِعْها} أي: اتبع شريعتك الثابتة والبراهين. {وَلا تَتَّبِعْ} ما لا حجة عليه من أهواء الجهال، وهم رؤساء قريش حتى قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرجع إلى دين آبائك ولا توالهم؛ إنما يوالي الظالمين من هو ظالم مثلهم، وأما المتقون فالله وليهم (١).
{هذا} القرآن. {بَصائِرُ لِلنّاسِ} جعل ما فيه من معالم الدين والشرائع بمنزلة البصائر في القلوب؛ كما جعل روحا وحياة، وهو {وَهُدىً} من الضلال. {وَرَحْمَةٌ} من العذاب وقرئ: "هذا بصائر" (٢) أي: هذه الآيات {أَمْ} منقطعة، ومعنى الهمزة فيها إنكار الحسبان. والاجتراح: الاكتساب؛ ومنه: جوارح الصيد، ويقال: جارحة أهله؛ أي: كاسبهم.
{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٢١) وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٢) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣)}
{أَنْ نَجْعَلَهُمْ} أي: نصيرهم، وهو من "جعل" المتعدي إلى مفعولين: الأول الضمير والثاني الكاف، والجملة الثانية التي هي {سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ} بدل من الكاف، والجملة
(١) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٢٨٩).
(٢) تنظر في: تفسير القرطبي (١٦/ ١٦٥)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ١٢٨)، فتح القدير للشوكاني (٥/ ٨)، المحتسب لابن جني (٢/ ٢٦٢).