وقوله: "سَدِّدُوا وَقَارِبُوا" أي: اجتنبوا التَّفْريَط والغُلوَّ واعملوا بالسَّدادِ.
وقوله: "وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ" أي: خَصِّصوا الوقتين بالجدِّ والعمل وخفِّفوا عن أنفسكم فيما بينهما.
وقوله: "وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ" أي: لا تعملوا الليل كلَّه ولا تغفلوا في كلِّه وسيروا في طرفٍ منه ولا أقول استوعبوه، وعليكم بالقصد والاعتدال تبلغوا المقصد.
وَالاِعْتِدَالُ مَحْمُودٌ فِي كُلِّ بَابٍ.
يُروي عن أبي بكر الصديق ﵁ أنَّه سئل عن الإزار، فقال: سَدِّدْ وَقَارِبْ (١).
أي: لا تُرخِ إزاركَ فتفرط في إسباله ولا تقلِّصه فتفرط في تشميره ولكن بين ذلك.
وَالْعُدُولُ عَنِ الاِعْتْدَالِ إِلَى الْغُلُوِّ وَالْإِفْرَاطِ يُفرَضُ مِنْ وُجُوهٍ وَرَدَ الْمَنْعُ مِنْ جِمِيعِهِا:
منها الْإِسْرَافُ فِي الْقَدْرِ:
عن جابر ﵁ قال قَالَ رَسُول اللهِ ﷺ: "إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ وَلَا تُبغِضْ إِلَى نَفْسِك عِبَادَةَ اللهِ فَإِنَّ المَنْبَتَ لَا أَرْضًا قَطَعَ وَلَا ظَهْرًا
(١) روى أبو نعيم في "حلية الأولياء" (٤/ ٣٦١) من طريق ضرار بن مرة الشيباني، عن عبد الله بن أبي الهذيل عن أبي بكر الصديق قال: سألت رسول الله ﷺ عن الإزار، فأخذ بوسط عضلة الساق. فقلت: يا رسول الله زدنا. قال: فأخذ بمقدم العضلة. فقلت: يا رسول الله زدني. قال: لا خير فيما هو أسفل من ذلك. قال: فقلت: هلكنا يا رسول الله. قال: يا أبا بكر سدد وقارب تنج.
ثم قال: غريب من حديث عبد الله لم يروه إلا ضرار بن مرة أبو سنان.