واعلم أنَّ الدنيا وأحوالها سريعة التقلب، بعيدة عن الاستقامة والاستقرار، قريبة من الزوال والبوار، وأنَّ الآخرة هي دار القرار، وأنت لا تزال تتقلب في دنياك من طور إلى طور، ويعتريك حور بعد كور، وكور بعد حور، وماضيها ومستقبلها في نقصان اللَّذَّةِ والفائدة قريبان من السَّواء، فالماضي بطلت منفعته وتنغصت لذته بالانقضاء، والمستقبل بين وحشة الانتظار وخطر الفناء، وجودها مشوب بالعدم، ولذاتها مستعقبة للنَّدم. وأنشد لبعضهم:
عَجِبْتُ لِبُرْدٍ لِلشَّبَابِ قَشِيبِ … وَلَوْنِ شَبَابٍ بَالْمَشِيبِ مَشُوبِ
وَلَمْ يَسْتَقِمْ فِي الخَدِّ خَطُّ شَبِيبَتِي … إِلَى أَنْ بَدَا فِي الحَطِّ وَخَطُّ مَشِيبِ
وإذا تحققت ذلك فعدِّ عنها، ولا تملأ عينك وقلبك منها، واسلك سبيل الاستقامة المفيدة للكرامة يوم القيامة.
وَتَأَمَّلْ عَنْ رَويَّةِ وَأَنَاةٍ فِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي قُلْتُهَا: رمل
لَيْسَ لِلدُّنْيَا اسْتَقامَهْ … وَلِمَنْ فِيْهَا إِقَامَهْ
هِيَ إلْمَامَةُ طَيْفٍ … وَانْتِشَاءٌ مِنْ مُدَامَهْ
هِيَ مِثْلُ الْبَرْقِ يَبْدُو … مِنْ تَجَاوِيفِ غَمَامَهْ
نَائِلٌ مَا أَنْتَ فِيهِ … مِنْ هَوَانٍ وَكَرَامَهْ
حَاصِلُ الْمَأْمُولِ مِنْهَا … تَبِعَاتٌ وَغَرَامَهْ
تَعَبٌ فِي الْحَالِ صَعْبٌ … ثُمَّ فِي العُقْبَى نَدَامَهْ
جَافِ عَنْهَا الْجَنْبَ صَفْحًا … تَنْجُ مِنْهَا بِسَلَامَهْ
آخر المجلس والحمد لله رب العالمين
* * * * *