نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ (١).
وشكر الخلق على ضعفهم لا يفي ما لا يحصى، بل لا يوجد منهم الشكر إلا بأنْ يوفقهم له وهو نعمة منه أيضًا؛ ولذلك قال الشافعي ﵁ في خطبة الرسالة (٢): الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي لَا يُؤَدَّي شُكْرُ نِعَمِهِ إِلَّا بِنِعْمَةٍ مِنْهُ.
وأنشد المنصور بن إسماعيل الفقيه: رجز
شُكْرُ الْإِلَهِ نِعْمَةٌ مُوجِبَةٌ لِشُكْرِهِ
فَكَيْفَ شُكْرِي بِرَّهُ وَشُكْرُهُ مِنْ بِرِّهِ
ومن نعمته أن اكتفى من العبد من شكره بأن يعرف أن النعمة منه وأنه عاجز عن شكرها والقيام بحقها.
روي أنَّ موسى ﵇ قال في مناجاته: خلقت آدم بيدك وأسجدته ملائكتك وفعلت وفعلت فكيف شَكَرَكَ؟
فقال: عرف أن ذلك كله مني فكانت معرفته شكرًا لي.
وبالجملة فلا ينبغي للمتيقظ أن يغفل عن الشكر الذي يأتي منه ويمكنه، فالكفران مؤذن بزوال النعم وحلول النقم. وأنشد: سريع
مَنْ جَاوزَ النِّعْمَةَ بِالشُّكْرِ لَمْ … يَخْشَ عَلَى النِّعْمَةِ مُغْتَالَهَا
لَوْ شَكَرُوا النِّعْمَة زَادَتْهُمُ … مَقَالَةُ اللهِ الَّتِي قَالَهَا
لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيْدَنَّكُمْ … لَكِنَّمَا كُفْرُكُمْ (٣) غَالَهَا
(١) إبراهيم: ٣٤، النحل: ١٨.
(٢) "الرسالة" (١/ ٧).
(٣) في د: كفرها.