وهو أَعْلَمُ بهم من أين جِئْتُمْ؟
فَيَقُولُونَ: من عند عبادك يُسَبِّحُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْتَجِيرُونَ مِنْ عَذَابِكَ وَيَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ.
فَيَقُولُ الله تعالى: قد أَجَرْتُهُمْ مما اسْتَجَارُوا وأَعْطَيْتُهُمْ ما سَأَلُوا.
فَيُقَالُ: إن فيهم رجلًا مرَّ بهم فَقَعَدَ معهم.
فَيَقُولُ: وله قد غَفَرْتُ هم الْقَوْمُ لا يَشْقَى بهم جَلِيسُهُمْ" (١).
وقوله: "عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ" يُبَيِّنُ أن الذكر سببَ الطمأنينة على ما قال تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ (الرعد: ٢٨) وإذا اطمأنَّ القلبُ أنس به وزالت عنه الوحشة.
قيل لمحمد بن النضر: كأنك تكره مجالس الناس؟ قال: نعم. قيل: أفما تستوحش؟ قال: فكيف أستوحش وهو يقول: أنا جليس من ذكرني (٢).
وقوله: "وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ" يعني الملائكة المقربين من رحمته المواظبين على طاعته، ويقرب منه ما روي أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قال: "يَقُولَ الله تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ" (٣).
ومن رحمة الله تعالى ولطفه بعباده أن أَذِنَ لَهم في ذِكَرِهِ على ما يعتريهم من الغفلات ويعترض لهم من الحالات؛ قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا
(١) "مسند الطيالسي" (٢٤٣٤). والحديث رواه مسلم أيضًا (٢٦٨٩).
(٢) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (٨/ ٢١٧).
(٣) رواه البخاري (٧٤٠٥)، ومسلم (٢٦٧٥) من حديث أبي هريرة.