يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ (١).
ومنها عِظَمُ قَدْرِ النَّبِيِّ ﷺ وارتفاع شأنه عن التَّأثُّرِ بنوائب الدنيا؛ حيث اهتمَّ أبو بكر بوصولهم إلى باب الغَارِ مُتبعين لأثرهما وخاف من اطلاعهم عليهم ولم يهتم ولم يخف رسول الله ﷺ وَثبَّتَ أبا بكر ﵁.
قَالَ المُفَسِّرُونَ: وكان كِبْرُ خَوْفِهِ لرسول الله ﷺ لَا لِنَفْسِهِ، ويُروى أنَّهُ قال لَمَّا خَافَ الطَّلَبَ: "يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ قُتِلْتُ فَأَنَا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ أُصِبْتَ هَلَكَتِ الْأُمَّةُ".
ومنها كراهة المُكْثِ بين الذين لا يتدينون بالحقِّ ولا يمكن حملهم عليه، ومنها جواز التَّحَصُّنِ بالقلاع عند الخوف من العدو، ومنها أنَّ تمهيد الأسباب في الحاجات لا يقدح في التوكل والاعتماد على الله، ومنها أنه يجوز الأخذ بالحزم، وإظهار ظنِّ الشرِّ المتوقع من العدو، وليس ذلك من الظَّنِّ المنهي عنه؛ لأنَّ أبا بكر ﵁ قال: "لَأَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ" ولم ينكر عليه النبي ﷺ.
وَلَكَ أَنْ تَزِيدَ وَتَحْتَجَّ بِهِ عَلَى أُمُورٍ:
مِنْهَا أنه يجوز المسافرة بالرَّفيقِ الواحدِ عند الحاجة بلا كراهة، وإن ورد: "خَيْرُ الرُّفَقَاءِ أَرْبَعَةٌ" (٢) فإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لم يستصحبَّ إلَّا أبا بكر.
وَمِنْهَا أنه يجوز لأحد الرفيقين أن يظهر لصاحبه خوفه مما يخاف منه؛ ليخفف عن نفسه ببثِّ الشكوى وليكون صاحبه واقفًا على الحال مستعدًّا لدفع ما عَساهُ
(١) التوبة: ٤٠.
(٢) رواه ابن ماجه (٢٨٢٧) من حديث أنس بن مالك.
قال صاحب "مصباح الزجاجة" (١٠٠٥): إسناده ضعيف.