أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى أم منقطعة والهمزة للإنكار. وعلى قراءة ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص بالتاء يحتمل أن تكون معادلة للهمزة في أَتُحَاجُّونَنا، بمعنى أي الأمرين تأتون المحاجة، أو ادعاء اليهودية، أو النصرانية على الأنبياء. قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وقد نفي الأمرين عن إبراهيم بقوله: مَا كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا واحتج عليه بقوله:
وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ. وهؤلاء المعطوفون عليه أتباعه في الدين وفاقاً. وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ يعني شهادة الله لإِبراهيم بالحنيفية والبراءة عن اليهودية والنصرانية، والمعنى لا أحد أظلم من أهل الكتاب، لأنهم كتموا هذه الشهادة. أو منا لو كتمنا هذه الشهادة، وفيه تعريض بكتمانهم شهادة الله لمحمد عليه الصلاة والسلام بالنبوة في كتبهم وغيرها، ومن للابتداء كما في قوله تعالى: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ وعيد لهم، وقرئ بالياء.
سورة البقرة (2) : آية 141تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (141)
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ تكرير للمبالغة في التحذير والزجر عما استحكم في الطباع من الافتخار بالآباء والاتكال عليهم. قيل: الخطاب فيما سبق لهم، وفي هذه الآية لنا تحذيراً عن الاقتداء بهم. وقيل: المراد بالأمة في الأول الأنبياء، وفي الثاني أسلاف اليهود والنصارى.
سورة البقرة (2) : آية 142سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)
سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ الذين خفت أحلامهم، واستمهنوها بالتقليد والإعراض عن النظر. يريد به المنكرين لتغيير القبلة من المنافقين واليهود والمشركين. وفائدة تقديم الإِخبار به توطين النفس وإعداد الجواب وإظهار المعجزة. مَا وَلَّاهُمْ ما صرفهم. عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها يعني بيت المقدس، والقبلة في الأصل الحالة التي عليها الإِنسان من الاستقبال، فصارت عرفاً للمكان المتوجه نحوه للصلاة قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ لا يختص به مكان دون مكان بخاصية ذاتية تمنع إقامة غيره مقامه، وإنما العبرة بارتسام أمره لا بخصوص المكان يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وهو ما ترتضيه الحكمة، وتقتضيه المصلحة من التوجه إلى بيت المقدس تارة، والكعبة أخرى.
سورة البقرة (2) : آية 143وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (143)
وَكَذلِكَ إشارة إلى مفهوم الآية المتقدمة، أي كما جعلناكم مهديين إلى الصراط المستقيم، أو جعلنا قبلتكم أفضل القبل. جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً أي خياراً، أو عدولاً مزكين بالعلم والعمل. وهو في الأصل اسم للمكان الذي تستوي إليه المساحة من الجوانب، ثم استعير للخصال المحمودة لوقوعها بين طرفي إفراط وتفريط، كالجود بين الإسراف والبخل، والشجاعة بين التهور والجبن، ثم أطلق على المتصف بها، مستوياً فيه الواحد والجمع، والمذكر والمؤنث كسائر الأسماء التي وصف بها، واستدل به على أن الإجماع حجة إذ لو كان فيما اتفقوا عليه باطل لانثلمت به عدالتهم لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً علة للجعل، أي لتعلموا بالتأمل فيما نصب لكم من الحجج، وأنزل عليكم من الكتاب أنه تعالى ما بخل على