فقيل لهم ذلك اسعافاً لهم إلى طلبتهم من عاجل النصر، وفيه إشارة إلى أن الوصول إلى الله تعالى والفوز بالكرامة عنده برفض الهوى واللذات، ومكابدة الشدائد والرياضات كما
قال عليه الصلاة والسلام «حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات»
.
سورة البقرة (2) : آية 215يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)
يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ
عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (أن عمرو بن الجموح الأنصاري كان شيخا هما ذا مال عظيم، فقال يا رسول الله ماذا ننفق من أموالنا وأين نضعها فنزلت)
قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ سئل عن المنفق فأجيب ببيان المصرف لأنه أهم فإن اعتداد النّفقة باعتباره، ولأنه كان في سؤال عمرو وإن لم يكن مذكوراً في الآية، واقتصر في بيان المنفق على ما تضمنه قوله ما أنفقتم من خير. وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ في معنى الشرط. فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ جوابه أي إن تفعلوا خيراً فإن الله يعلم كنهه ويوفي ثوابه، وليس في الآية ما ينافيه فرض الزكاة لينسخ به.
سورة البقرة (2) : آية 216كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216)
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ شاق عليكم مكروه طبعاً، وهو مصدر نعت به للمبالغة، أو فعل بمعنى مفعول كالخبز. وقرئ بالفتح على أنه لغة فيه كالضعف والضعف، أو بمعنى الإِكراه على المجاز كأنهم أكرهوا عليه لشدته وعظم مشقته كقوله تعالى: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً. وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وهو جميع ما كلفوا به، فإن الطبع يكرهه وهو مناط صلاحهم وسبب فلاحهم. وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وهو جميع ما نهوا عنه، فإن النفس تحبه وتهواه وهو يفضي بها إلى الردى، وإنما ذكر عَسى لأن النفس إذا ارتاضت ينعكس الأمر عليها. وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما هو خير لكم. وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ذلك، وفيه دليل على أن الأحكام تتبع المصالح الراجحة وإن لم يعرف عينها.
سورة البقرة (2) : آية 217يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (217)
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ
روي (أنه عليه الصلاة والسلام بعث عبد الله بن جحش ابن عمته على سرية في جمادى الآخرة. قبل بدر بشهرين. ليترصّد عيراً لقريش فيها عمرو بن عبد الله الحضرمي وثلاثة معه، فقتلوه وأسروا اثنين واستاقوا العير وفيها من تجارة الطائف، وكان ذلك غرة رجب وهم يظنونه من جمادى الآخرة، فقالت قريش: استحل محمد الشهر الحرام شهراً يأمن فيه الخائف، وينذعر فيه الناس إلى معايشهم. وشق ذلك على أصحاب السرية وقالوا ما نبرح حتى تنزل توبتنا، ورد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم العير والأسارى) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما (لما نزلت أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الغنيمة وهي أول غنيمة في الإسلام)
والسائلون هم المشركون كتبوا إليه في ذلك تشنيعاً وتعييراً وقيل أصحاب السرية. قِتالٍ فِيهِ بدل اشتمال من الشهر الحرام. وقرئ «عن قتال» بتكرير العامل. قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ أي ذنب كبير، والأكثر أنه