عن أقلها مقهورة من أذلها.
اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا يتوسطون بينه وبين الأنبياء بالوحي. وَمِنَ النَّاسِ يدعون سائرهم إلى الحق ويبلغون إليهم ما نزل عليهم، كأنه لما قرر وحدانيته في الألوهية ونفى أن يشاركه غيره في صفاتها بين أن له عباداً مصطفين للرسالة يتوسل بإجابتهم والإِقتداء بهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، وهو أعلى المراتب ومنتهى الدرجات لمن سواه من الموجودات تقريراً للنبوة وتزييفاً لقولهم مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى، والملائكة بنات الله تعالى، ونحو ذلك. إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ مدرك للأشياء كلها.
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ عالم بواقعها ومترقبها. وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ وإليه ترجع الأمور كلها لأنه مالكها بالذات لا يسأل عما يفعل من الاصطفاء وغيره وهم يسألون.
سورة الحج (22) : آية 77يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا في صلاتكم، أمرهم بهما لأنهم ما كانوا يفعلونها أول الإِسلام، أو صلوا وعبر عن الصلاة بهما لأنهما أعظم أركانها، أو اخضعوا لله وخروا له سجداً. وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ بسائر ما تعبدكم به. وَافْعَلُوا الْخَيْرَ وتحروا ما هو خير وأصلح فيما تأتون وتذرون كنوافل الطاعات وصلة الأرحام ومكارم الأخلاق. لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أي افعلوا هذه كلها وأنتم راجون الفلاح غير متيقنين له واثقين على أعمالكم، والآية آية سجدة عندنا لظاهر ما فيها من الأمر بالسجود
ولقوله عليه الصلاة والسلام «فضلت سورة الحج بسجدتين من لم يسجدهما فلا يقرأها» .
سورة الحج (22) : آية 78وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)
وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ أي لله ومن أجله أعداء دينه الظاهرة كأهل الزيغ والباطنة كالهوى والنفس.
وعنه عليه الصلاة والسلام أنه رجع من غزوة تبوك فقال «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» .
حَقَّ جِهادِهِ أي جهاداً فيه حقاً خالصاً لوجهه فعكس وأضيف الحق إلى الجهاد مبالغة كقولك: هو حق عالم، وأضيف الجهاد إلى الضمير اتساعاً أو لأنه مختص بالله من حيث إنه مفعول لوجه الله تعالى ومن أجله. هُوَ اجْتَباكُمْ اختاركم لدينه ولنصرته، وفيه تنبيه على المقتضى للجهاد والداعي إليه وفي قوله: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ أي ضيق بتكليف ما يشتد القيام به عليكم، إشارة إلى أنه لا مانع لهم عنه ولا عذر لهم في تركه، أو إلى الرخصة في إغفال بعض ما أمرهم به من حيث شق عليهم
لقوله عليه الصلاة والسلام «إذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم» .
وقيل ذلك بأن جعل لهم من كل ذنب مخرجاً بأن رخص لهم في المضايق وفتح عليهم باب التوبة، وشرع لهم الكفارات في حقوقه والأروش والديات في حقوق العباد مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ منتصبة على المصدر بفعل دل عليه مضمون ما قبلها بحذف المضاف أي: وسع دينكم توسعة ملة أبيكم، أو على الإِغراء أو على الاختصاص، وإنما جعله أباهم لأنه أبو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو كالأب لأمته من حيث أنه سبب لحياتهم الأبدية ووجودهم على الوجه المعتد به في الآخرة، أو لأن أكثر العرب كانوا من ذريته فغلبوا على غيرهم. هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ من قبل القرآن في الكتب المتقدمة. وَفِي هذا وفي القرآن، والضمير لله تعالى ويدل عليه أنه قرئ «الله سماكم» ، أو ل إِبْراهِيمَ وتسميتهم بمسلمين في