فَجَعَلْناها أي المسخة، أو العقوبة. نَكالًا عبرة تنكل المعتبر بها، أي تمنعه. ومنه النكل للقيد.
لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها لما قبلها وما بعدها من الأمم إذ ذكرت حالهم في زبر الأولين، واشتهرت قصتهم في الآخرين، أو لمعاصريهم ومن بعدهم، أو لما بحضرتها من القرى وما تباعد عنها، أو لأهل تلك القرية وما حواليها، أو لأجل ما تقدم عليها من ذنوبهم وما تأخر منها. وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ من قومهم، أو لكل متق سمعها.
سورة البقرة (2) : آية 67وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (67)
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً أول هذه القصة قوله تعالى: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وإنما فكت عنه وقدمت عليه لاستقلالها بنوع آخر من مساويهم، وهو الاستهزاء بالأمر والاستقصاء في السؤال وترك المسارعة إلى الامتثال. وقصته: أنه كان فيهم شيخ موسر فقتل ابنه بنو أخيه طمعاً في ميراثه، وطرحوه على باب المدينة، ثم جاءوا يطالبون بدمه، فأمرهم الله أن يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها ليحيا فيخبر بقاتله. قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً أي مكان هزؤ، أو أهله ومهزوءا بنا، أو الهزء نفسه لفرط الاستهزاء استبعاداً لما قاله واستخفافاً به، وقرأ حمزة وإسماعيل عن نافع بالسكون، وحفص عن عاصم بالضم وقلب الهمزة واواً. قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ لأن الهزء في مثل ذلك جهل وسفه، نفى عن نفسه ما رمي به على طريقة البرهان، وأخرج ذلك في صورة الاستعاذه استفظاعاً له.
سورة البقرة (2) : آية 68قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لاَّ فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (68)
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ أي ما حالها وصفتها، وكان حقهم أن يقولوا: أي بقرة هي؟ أو كيف هي؟ لأن مَا يسأل به عن الجنس غالباً، لكنهم لما رأوا ما أمروا به على حال لم يوجد بها شيء من جنسه، أجروه مجرى ما لم يعرفوا حقيقته ولم يروا مثله. قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لاَّ فارِضٌ وَلا بِكْرٌ لا مسنة ولا فتية، يقال فرضت البقرة فروضاً من الفرض وهو القطع، كأنها فرضت سنها، وتركيب البكر للأولية ومن البكرة والباكورة.
عَوانٌ نصف. قال شعر: نواعِمُ بينَ أبْكارٍ وَعُونُ.
بَيْنَ ذلِكَ أي بين ما ذكر من الفارض والبكر ولذلك أضيف إليه بين، فإنه لا يضاف إلا إلى متعدد، وعود هذه الكنايات وإجراء تلك الصفات على بقرة يدل على أن المراد بها معينة، ويلزمه تأخير البيان عن وقت الخطاب، ومن أنكر ذلك زعم أن المراد بها بقرة من شق البقر غير مخصوصة ثم انقلبت مخصوصة بسؤالهم، ويلزمه النسخ قبل الفعل، فإن التخصيص إبطال للتخيير الثابت بالنص والحق جوازهما، ويؤيد الرأي الثاني ظاهر اللفظ
والمروي عنه عليه الصلاة والسلام «لو ذبحوا أيّ بقرة أرادوا لأجزأتهم، ولكن شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم»
. وتقريعهم بالتمادي وزجرهم على المراجعة بقوله: فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ أي ما تؤمرونه، بمعنى تؤمرون به من قولهم: أَمَرْتُكَ الخَيْرَ فَافْعَلْ مَا أمرت به، أو أمركم بمعنى مأموركم.
سورة البقرة (2) : آية 69قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها الفقوع نصوع الصفرة