إحسانه إلى من تقدم من المخاطبين بكتبه المنزلة رحمة لعباده وإحسانه كما أحسن إلى المواجهين بهذا الكتاب والمهيمن من على هذه الخطاب فقال "ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله " وأعلم سبحانه أنه محسن إليهم لأن تقواهم إياه تعالى مثمرة لهم السلامة من عذابه والنجاة من أليم عقابه وأنه ليس به إلى تقواهم من حاجة ولا يعود إليه سبحانه من كل ذلك منفعة إذ هو الغنى عنهم وعن عبادتهم فقال: "وإن تكفروا فإن لله ما فى السماوات وما فى الأرض " فهو الغنى عنكم وعن عبادتكم كما قال تعالى فى آية أخرى: "وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن فى الأرض جمبعا فإن الله لغنى حميد " وقال تعالى: "فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غنى حميد " وإذا كان الكل ممن فى السماوات والأرض ملكا له سبحانه وتحت قهره وفى قبضته يفعل فيهم ما يشاء ولا يكون منهم إلا ما يشاؤه ويريده وهو الغنى الحميد ثم أكده بقوله "ولله ما فى السماوات وما فى الأرض " لما بنى عليه من قوله "وكفى بالله وكيلا " أى حافظا لجميع
ذلك منفردا بتدبيره وإمساك السماوات والأرض ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده فختام الآية بهذه الصفة من أنسب شئ وأبينه والله أعلم.
الآية الرابعة عشرة:
قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله " وفى المائدة: "كونوا قوامين لله شهداء بالقسط "فقدم فى آية النساء قوله "بالقسط " وأخر فى المائدة فيسأل عن وجه ذلك.
والجواب عنه والله أعلم: أن الآيات المتصلة بآية سورة النساء مبنية على الأمر بالعدل والقسط قال تعالى: "من يعمل سوءا يجز به
...الآية " وقال بعد: "ويستفتونك فى النساء " ثم قال: "وأن تقوموا لليتامى بالقسط " وتوالت الآى بعد على هذا المعنى فقدم قوله بالقسط ليناسب ما ذكر
وأما آية المائدة فثبت قبلها الأمر بالطهارة ثم تذكيره سبحانه بتذكر نعمه والوقوف مع ما عهد به إلى عباده والأمر بتقواه فناسبه قوله: "كونوا قوامين لله " ثم أتبع بما بنى على ذلك من الشهادة بالقسط فتأمل ما بنى على هذه وما بنى على آية النساء يتضح لك ما قلته والله أعلم بما أراد.
الآية الخامسة عشرة:
قوله تعالى: "إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا " وفيما بعد من السورة نفسها
"إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا