بقوله: "لن تقبل توبتهم " فأبقى الله تعالى على الأولين حين قال: "إلا الذين تابوا " واشتد حال المذكورين بعدهم حين قيل فيهم: "لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون " ثم قال تعالى: "إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار " فأعلم من حال هؤلاء بموتهم على الكفر فانقطع رجاؤهم وهؤلاء أشد حالا ممن ذكر قبلهم فى الآية المذكورة ونص فى هذه الأخيرة فكانت أشد، فقد وضح فى هذه الآيات الانتقال من أخف إلى أثقل وهو مطرد فى الوعد والوعيد واللطف والتعريف بالامتنان والأحوال وما يرجع إلى ذلك وعلى هذا كلام العرب فى هذه الضرورة التى أشرنا إليها.
ومن آى الامتنان قوله تعالى: "وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم " وفى هذه الآية الترقى وهى من قبيل ما ذكر وإنما يرد عكس الترقى فيذكر الأخف بعد الأثقل فى التكاليف والأوامر والنواهى وما يرجع إلى ذلك ومنه قوله تعالى: "وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين
...الآيات " فهذا الضرب وما يرد منه ويرجع إليه لا يشترك فيه ما قدم من الترقى والانتقال من أخف إلى أثقل ومن حكم إلى ما هو أعلى منه، أما الوعد والوعيد فالمطرد فيهما وفى الضروب المذكورة معهما ما بيناه من الترقى وهو كلام العرب.
فللقائل أن يقول إذا ثبت ذلك فما جوابكم عما ورد فى آية المائدة وظاهره على خلاف ما زعمتم إطراده؟ فأقول: أما القول بخروج آية المائدة عما اطرد فى نظائرها وأنها مما ورد فيه الأخف بعد الأثقل فمرتكب لا يسلم لقائله وغفلة عما عليه آى القرآن وكلام العرب وإن كان قد اعتمده بعض الجلة رحمهم الله والجواب عنه جواب عن السؤال الأول.
وحاصل كلام من أشرنا إليه سؤالا وجوابا أن قال: إن قيل لم قال فى الأولى "هم الكافرون " وفى الثانية "هم الظالمون " والكفر أعظم من الظلم فما الفائدة فى ذكر الأخف بعد الأثقل؟ ثم جاوب بما معناه أنه لما تقدم الآية الأولى قوله تعالى: "فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتى ثمنا قليلا " وان ارتكاب شئ مما نهوا عنه وعدم خشيته تعالى تقصير فيما يجب له سبحانه وجحد الواجب له وإنكار نعمه تعالى كفر فأعقب بقوله تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ".
ولما تقدم الآية الثانية قوله تعالى: "وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس
... الآية "