وقد تعرض صاحب كتاب الدرة لهذه الآى من حيث خصوص مقصده وبنى جوابه على ذلك فانفصل فى الأوليين بأن الظلم فى الآية الثانية واقع على الكفر والظلم فهو أشد من الكفر مجردا هذا معنى ما أراد وقد جرى فيه على المعرض من الترقى إلا أنه لم يتخلص ما بعد ذلك وجعل الآية الثالثة منقطعة عن الآيتين قبلها وحاصل كلامه بالجملة أن ما تقدم من الوصف بالكفر والظلم خاص بيهود لتقدم ذكرهم قبل هذه الآيات وقوله تعالى: "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ..
"إلى قوله نهيا لهم "فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتى ثمنا قليلا ..
"إلى قوله "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ولم يتقدم ذكرهم بغير كفرهم وتحريفهم من غير التفات إلى ذكر ظلمهم غيرهم إنما مجرد كفرهم ظلم لأنفسهم فأعقب هذا بقوله "هم الكافرون ".
ثم لما اجتمع فى الآية الثانية ظلمهم لأنفسهم ولغيرهم بما ذكر من مخالفتهم فى القصاص المشار إليه بقوله: "وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس "الى آخره، أعقب هذا بقوله تعالى: "فأولئك هم الظالمون " لظلمهم أنفسهم بالكفر وزيادة ظلمهم غيرهم فكان أشد من وصف الكفر إذ هو كفر وزيادة فعبر بالوصف العام للكفر وغيره ثم لما أعقب بذكر إنزال الإنجيل وكان الكلام انقطع عما قبله ومن المعلوم أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون من غير الكافر وان لم تبلغ منزلته الكفر فهو فاسق لا كافر فقيل هنا: "فأولئك هم الفاسقون " انتهى معنى كلامه ثم أعقب هذا بأن قال: فقد بان لك أن كل موضع من الآى الثلاث أخبر فيه عن المذكورين قبل بالكفر والظلم والفسق، ولم يحصل غير ذلك.
قلت فقد حصل من كلامه أن الكفر والظلم لفى الآيتين خاص بيهود وهم المقصودون بذلك وان الفسق يعمهم مع غيرهم وهو مأخذ بناه على ما حكاه من غيره من أن "من " فى ثلاث الآى موصولة بمعنى الذى واعتمده هو فى الأوليين واخنار فى الثالثة من شرطية ليحصل فى الموصولة خصوص وعهد فيمن تقدم وليحصل فى الشرطية عموم كما تقدم ثم أنه لم يتعرض لبيان ترق ولا انتقال.
فإن قيل إنما بنى عليه كتابه على مقصد خاص وهو فرق ما بين المتشابهات من الآى ونص السؤال الذى فرض إن قال: لسائل أن يسأل فيقول: الموضع الذى وصف فيه من لم يحكم بما أنزل الله بالكفر هل باين الموضوع الذى وصف فيه تارك ذلك بالظلم والفسق؟ ثم أجاب بما تقدم فجوابه مطابق لما فرض من السؤال قلت هذا صحيح