أريد به جنس الرجال وإنما زيد واحد منهم فحصل الارتباط بهذا الوجه فليس كقوله "وجعلنا على قلوبهم " وبهذا يتم المعنى المقصود من تسلية نبينا صلى الله عليه وسلم، وكأن قد قيل له عليه السلام: إن الصم الذين لا يعقلون لم تكلف أسماعهم وهؤلاء منهم فلا درك عليه فيهمن صلى الله عليه وسلم فانفصلت آية يونس من آية الأنعام وورد كل على ما يجب.
فإن قيل إذا كان الأكثر فى "من " وقوعها على الكثير فقد وردت آية يونس على ما هو قليل فى كلامهم وفى هذا ما يسأل عنه؟ قلت ذلك كله فصيح ومعروف من كلامهم ولا يلزم من كون الوارد أقل أن يكون دون الكثير فى الفصاحة بل كل فصيح، وقد بوب سيبويه رحمه الله على حال "من " فى وقوعها على من ذكر فقال فى كتابه: "هذا باب إجرائهم صلة من وخبرها إذا عنيت اثنين كصلة اللذين وإذا أرادت جماعة كصلة الذين ثم ذكر الآية: ومنهم منيستمع إليك " وأنشد بيت الفرزدق وقد تقدم.
تعال فإن عاهدتنى لا تخوننى
..... البيت
وقد تقدم ذكر ما أجريت فيه مجرى التى كقول العرب: ومن كانت أمك وأيهن كانت أمك، وأورد عن بياض قراءة من قرأ: "ومن تقنت منكن لله ورسوله " فقد ذكر سيبويه رحمه الله أن هذا كله من كلام العرب ودل قوله فى الترجمة: هذا باب إجرائهم بالاضافة إلى ضمير الجمع وإنما يريد العرب وهذا مشير إلى أن العرب تتكلم به كثيرا وأنه ليس فى كلام بعضهم دون بعض ووضح من جملة هذا أن قوله تعالى فى آية يونس "ومنهم من يستمعون " بضمير الجماعة لا يلائم الموضع سواه إذ ليس بعده ما يبين أن المراد جمع أما آية الأنعام فقد ورد فى المنتظم بها مما بعد ما يبين المراد فجاء كل على ما يحب والله أعلم.
الآية الثامنة:
قوله تعالى: "وقالوا إن هى إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين " وفى سورة المؤمنون: "إن هى إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين " وفى الجاثية: "وقالوا ما هى إلا حياتنا الدنيا نمةت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر. "الآية.
للسائل أن يسأل فيقول: إن هذه الآى الثلاث قد اتحد محصولها من إنكارهم البعث الأخراوى أن لا حياة بعد هذه الحياة الدنياويه ولم يرد فيها عدول عن هذا من قولهم فما وجه الاقتصار فى آية الأنعام؟ وزيادة نموت ونحيا فى الأخريين؟ وانففراد آية الجاثية بقولهم: "وما يهلكنا إلا الدهر " عوض قولهم فى الأوليين "وما نحن بمبعوثين "؟