فيه، حصل من مجموع ذلك المكتسب وغير المكتسب، فلا فرق بين آية الزمر وآية الجاثية.
ولو قيل في آية الزمر: (ماعملوا) لكان تكراراً لأن ذلك حاصل مما قبلها، ولو قيل في آية الجاثية (ماكسبوا) لما كان وافياً بما بينا قبل أنه مقصود الكلام، فتبين خصوص كل من الواردين بموضعه، وأن عكس الوارد لا يمكن.
فإن قلت: ما الوجه هنا من قوله: (وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) (الزمر: 47)؟ تلك هي نكرة موصوفة كقولهم: مررت بما معجب لك. وإذ ذاك يحرز ما تقرر من المعنى بإبهامها، كما أن ما الاستفهامية حيث يقصد الإبهام تعظيماً للأمر وتفخيماً كقوله تعالى: (الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ) (الحاقة: 1 - 2) وقوله: (الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ) (القارعة: 1 - 2) تحرز لإبهامها من عظيم أمر الحاقة والقارعة ما لايفي به الوصف، والإبهام مقصود في التعظيم والتفخيم للأمر المعبّر بها عنه.
فإن قلت: إن (ما) يقل وقوعها نكرة موصوفة، قلت: بل هي حيث يقصد بها هذا المعنى موجودة في كثير من كلامهم وإن كانت الموصولة أكثر منها، إلا أن الموصولة لا تحرز ما ذكرنا من المعنى إحرازها.
فإن قلت: إنما يصح ما اعتمدت من المعنى على القول بتكليف ما لايطاق، وذلك أمر لم يكلف به: قلت إما أنه من الأمر فصحيح وقد امتحن به من قبلنا، وحمل عليهم بنص القرآن، وأما أنه مما لا يطاق فلا يبلغ هذا، بل نقول: إنه يطاق بمشقة، والآية ليست نصاً في هذه الأمة بل ولا في أهل الشرائع وحدهم، وإنما هي فيمن ينكر البعث الأخراوي ومن جارهم، ويبين ذلك ما قد ورد قبل آية الجاثية من قوله: (وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا
... ) (الجاثية: 32)، وهو قول من لا يصدق بالبعث وليس هذا من أتباع الرسل، ثم إن تخويفها يعم جميع المكلفين، والمؤمن الموفق أشد الخلق خوفاً منها: (فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) (الأعراف: 99)، ثم إنا نقول بجواز التكليف بما لا يطاق هقلاً ونمنعه شرعاً، وبسط هذا في مظانه.
الآية الخامسة من سورة الزمر - قوله تعالى في أهل النار: (إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) (الزمر: 71)، ثم قال تعالى في أهل الجنة: (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) (الزمر: 73)، للسائل أن يسأل عن زيادة الواو في قوله: (وَفُتِحَتْ) في الآية الثانية؟
والجواب، والله أعلم: أن (إذا) في مثل هذا االكلام جارية مجرى أدوات الشرط في احتياج الفعل بعدها إلى الجواب، إلا أن جوابها في قول البصريين لا ينجزم إلا في