سورة التغابنالآية الأولى منها قوله تعالى: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (التغابن: 1)، وقال تعالى بعد: (يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ) (التغابن: 4) للسائل أن يسأل عن تكرر " ما " في أول السورة وتركها في الآية بعدها؟ وهل كانت الفائدة تحصل بعكس ذلك؟
والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن الآيتين معاً قصد بهما الاستيفاء والإحاطة بكل المسبحين وبما أحاط به علمه سبحانه، وقد اقترن ب
الآية الثانية واتصل بها قوله سبحانه: (ويعلم ما تسرون وما تعلنون) فحصل من ذلك إحاطة علمه سبحانه بما ظهر وما بطن وما اشتملت عليه السماوات والأرض، فلما اقترن بهذه الآية ما يعطى إحاطة علمه سبحانه بجزئيات " ما" في الجملة وأنه لا يغيب عنه شئ لم يحتج في قوله: (يلم ما في السموات والأرض) إلى إعادة " ما " لأن ذلك يكون كالتكرار الذي لا يحرز معنى.
وأما الآية الأولى فلم يقترن بها ما يعطى ملفوظاً به مع أنه قد قصدت الإحاطة، فلم يكن بد من إعادة - ما - استئناف إحصاء وتأكيد، فلا يلائم كلا من الموضعين إلا ما ورد فيه.
الآية الثانية من سورة التغابن - قوله تعالى (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) (التغابن: 9)، وفي
سورة الطلاق: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) (الطلاق: 11)، للسائل أن يسأل عن زيادة: "يكفر عنه سيئاته " في سورة التغابن ولم يرد في سورة الطلاق مع أن المقصود واحد في الآيتين؟
والجواب عنه، والله أعلم: أنه لما تقدم في سورة التغابن قوله تعالى مخبراً عن المكذبين: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) (التغابن: 7)، وقوله تعالى على لسان نبيه صلي الله عليه وسلم: (بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ) (التغابن: 7)، ثم قال تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (التغابن: 8)، فأعلم تعالى بقوله (والله بما تعملون خبير) وبين أنه تعالى لا يخفى عليه شئ من أعمال المكلفين، وأن المنبأ به كل