"انما يجعلون بذلك المأكل الخبيث فى بطونهم نارا كما ورد فى قوله تعالى: "إن الذين يأكلون مال اليتامى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم نارا "، فالأكل المقصود ملفوظ به ودل عليه السياق.
وقوله: "فى بطونهم " على الجعل وكأنه من باب التضمين فدل اللفظ على ما وضع له من المعنى وعلى ما يعطيه من حيث ما يتم به المعنى ويعضده السياق.
ومن هذا النحو من دلالة اللفظ على ما تحته من المعنى وعلى غيره من معناه مما يتم المعنى ويحصل المقصود قوله تعالى: "وما نقموت منهم الا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ".
المعنى والله أعلم: وما فعلوا ذلك وما يفعلونه الا لإيمانهم ألا ترى أن "أن " فى قوله "أن يؤمنوا " من حيث أن مقتضاها الاستقبال لابد من تعلقها بفعل مناسب ولا يتعلق بالماضى فلابد من تقدير فعل مستقبل يدل عليه الماضى الملفوظ به فكأن قد قيل: ولا ينقمون الا لأجل أيمانهم، وعلى هذا هو المعنى لأن المراد تماديهم على ذلك الفعل وبذلك يحصل ذمهم على مرتكبهم ومن نحو هذا قول الشاعر برج بن مسهر الطائى:
وندمان يزيد الكأس طيبا سقيت إذا تغورت النجوم
إنما يريد سقيت وأسقيه لأن إذا من حيث هى ظرف زمان مستقبل لا يعمل فيها الا فعل مستقبل وبذلك يتم المعنى إذ لم يرد أنه فعل ذلك مرة إذ لا يمتدح بذلك وانما يريد أن ذلك دأبه وعادته وقد شهد المعنى للمقدر من اللفظ ومن هذا قول الكندى:
تجاوزت أحراسا وأهوال معشر علي حراصا لو يشرون مقتلى
ثم قال:
إذا ما الثريا فى السماء تعرضت تعرض أثناء الوشاح المفصل
ولا يعمل تجاوزت فى إذا لما تقدم فالتقدير تجاوزت وأتجاوز حتى يعلم أن تلك عادته ودأبه وبه يحصل ما أراد وهذا كثير بديع، وفى القرآن منه كثير، وقد خرج من الكلام وحصل الجواب عن السؤالين.
والجواب عن السؤال الثالث: أن آية عمران إنما وردت فى مرتكب مخصوص غير الكتم وقد يكون من غير الكاتمين وإن كان أنسب لحالهم وجرى مع مرتكبهم فهو يقع منهم ومن غيرهم انفرد هذا المرتكب الشنيع بما توعدوا عليه، ولكونه أجرى فى مرتكبات من قدم فى آيتى البقرة اشتد فيه الوعيد، واتبعت الآية بما يشعر أتهم الأهلون لهذا المرتكب فقال تعالى: "وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب