الشئ فيما تقدم من الزمان معنى تحرزه وأما آية النحل فاخبار عمن تقدم زمانهم وعظ به غيرهم يبين ذلك قوله تعالى: "كذلك فعل الذين من قبلهم "، ثم قال: "وما ظلمهم الله " فالاخبار عن هؤلاء القبليين المشبه بهم من بعدهم من معاصريه صلى الله عليه وسلم فأحرزت كان هذا المعنى ولاءمت الموضع ولم تكن لتلائم آية آل عمران ولا الوارد في آية آل عمران ليناسب ما قصد فى آية النحل فجاء كل على ما يجب والله أعلم.
الآية الثانية عشرة: قوله تعالى: "وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم " وفى سورة الأنفال: "وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم ".
للسائل أن يسأل فيقول: مقصود الآيتين واحد فى الموضعين من حيث المعنى وهما لقوم بأعيانهم وهم أهل بدر رضى الله عنهم فما وجه زيادة "لكم " فى آية آل عمران ولم تزد فى الأخرى؟ وتقديم القلوب على المجرور هنا وتأخيرها عنه فى آية الأنفال؟ واستئناف تأكيد الإخبار بالصفتين العليتين فى سورة الأنفال بـ "إن " ولم تردا جاريتين على اسم الله سبحانه كما فى آل عمران؟ فهذه ثلاث سؤالات.
والجواب عم الأول والثانى والله أعلم: أن آية آل عمران لما تقدم فيها قوله تعالى: "ويأتوكم من فورهم " والإخبار عن عدوهم فاختلط ذكر الطائفتين وضمهما كلام واحد فجردت البشارة لمن هدى منهما وانها لأولياء الله المؤمنين فجيئ بضمير خطابهم متصلا بلام الجر المقتضية الاستحقاق فقيل "بشرى لكم " وبين أن قلوبهم هى المطمأنة بذلك فقيل "ولتطمئن قلوبكم به "، فقدمت القلوب على المجرور اعتناء وبشارة ليمتاز أهلها ممن ليس لهم نصيب.
أما آية الأنفال فلم يتقدم فيها ذكر لغير المؤمنين فلم يحتج إلى الضمير الخطابى فى لكم وأيضا فإن آية الأنفال قد تقدم قبلها قوله تعالى: "وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم " فأغنى عن عودته فيما بعده اكتفاء بما قد حصل مما تقدم من تخصيصهم بذلك.
والجواب عن السؤال الثالث: أن آية الأنفال تقدم فيها أوعاد جليلة كقوله تعالى: "وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين انها لكم " ثم قال: "ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين " ثم قال: "ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون " فهذه أوعاد علية لم يتقدم إفصاح بمثلها فى آية آل عمران فناسبها تأكيد