الجزاء فى سورة العنكبوت ولا وقع فيه عطف جاءت جملة المدح غير معطوفة ليتناسب النظم والله أعلم.
الآية الخامسة عشرة: قوله تعالى: "لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم " وفى الجمعة: "هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم ".
للسائل أن يقول: إن مقصد الآيتين الإخبار بامتنانه تعالى على العرب بأن بعث فيهم رسولا منهم ولم يكن من غيرهم ثم اختلفت العبارة فى البيان فقيل فى الأولى "من أنفسهم " وفى الثانية "منهم " فيسأل عن وجه ذلك؟
والجواب عن ذلك: أن قولك فلان من أنفس القوم أوقع فى القرب من قولك فلان منهم فإن هذا قد يراد للنوعية فلا يتخلص لتقريب المنزلة والشرف إلا بقرينة
أما "من أنفسهم " فأخص فلا يفتقر إلى قرينة ولذلك وردت حيث قصد النعريف بعظيم النعمة به ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أمته وجليل إشفاقه وحرصه على نجاتهم ورأفته ورحمته بهم فقال تعالى: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم " وقال تعالى فيمن كان على الضد من حال المؤمنين المستجيبين "ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه " فتأمل موقع قوله هنا "منهم " لما قصد أنه إنعام عليهم لم يوفقوا لمعرفة قدره ولا للاستجابة المثمرة النجاة فقيل هنا "منهم " فأما قوله صلى الله عليه وسلم: "سلمان منا أهل البيت " بأنه لما لم يكن رضى الله عنه من قريش وأراد عليه السلام تقريبه وتشريفه عبر بما يعطى ذلك ولا يخص خصوص قوله: من أنفسنا وإنما تخلص لحرف الخصوصية بقرينة قوله عليه السلام "سلمان منا أهل البيت " وأما قوله عليه السلام فى فاطمة " إنما هى بضعة منى "فقد تحصل فيه أتم خصوص من وجهين:
أحدهما قوله عليه السلام "منى " وهذا أخص من قوله عليه السلام "منا " فتأمله فهو مناف للشياع الداخل فى قوله "منا " والثانى قوله "بضعة " فجعلها عليه السلام جزءا منه وذلك أعلى خصوص.
وأما قوله عليه السلام "مولى القوم منهم " فالمراد منه تقريب الولاء من النسب وليس من أنفسهم وقد تقدم أن قوله "من أنفسهم " فى مقابلة "منهم " وأن "منا " دونه فى الشياع و"منى "أخص وأبعد فى الشياع فتأمل هذا ولما كان لفظ الآيتين يتناول قريشا وغيرهم من العرب ممن ليس من أهل الكتاب قيل "منهم " فناسب هذه الكناية بما فيها من الشياع الذى مهدناه عموم المؤمنين من العرب ممن أسلم ومن لم يسلم ولما قال فى آية آل عمران: "لقد من الله على المؤمنين " فخص من أسلم ناسب ذلك قوله "من أنفسهم " لخصوصه كما تقدم ولم يكن العكس ليناسب والله أعلم.