الرابع: أن الله-عز وجل-: في الأزل لم يكن مستويا على العرش، وهو الآن على ما كان/ 190/ل) عليه في الأزل، فهو الآن غير مستو على العرش على ما يقوله الخصم، وهذا ضعيف، إذ لقائل أن يعارضه بأنه لم يكن معه عالم في الأزل وهو الآن على ما كان عليه في الأزل، فالعالم ليس معه الآن، لكنه خلاف العيان.
وذهب أبو عبد الله بن حامد إلى أن معنى استوائه على العرش الاستقرار، كما ذهب إلى أن نزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا انتقال. واحتج بقوله-عز وجل-: {فَإِذَا اِسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي نَجّانا مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ} (28) المؤمنون: 28 وقد أنكر ذلك على ابن حامد، ورد عليه.
واعلم أن السمع قوي في الإثبات، والعقل قوي في النفي، غير أن النفاة قالوا: العقل أصل السمع؛ فيجب تقديمه، وإلا لزم القدح في دلالة الأصل على الفرع، وذلك قادح في الفرع أيضا، فتقديم الفرع مبطل لشهادة الأصل والفرع جميعا، وأنه غير جائز.
وأجابوا عن حجج المثبتين من حيث الإجمال بأنها شبه وظواهر فلا تعارض الحجج القواطع.
قال بعض النفاة: أحد الأمرين لازم، إما بطلان مذهب المثبتين أو صحة مذهب الاتحادية؛ لأن إثبات الجهة والاستواء يستلزم التجسيم، وهو لا يصح إلا على رأي الاتحادية الذين يجيزون ظهور الحق سبحانه وتعالى في المظاهر الجسمانية والأطوار الطبيعية، وإليه الإشارة بقول الحلاج للجنيد: يا معلم، من الذي يأتي البشر على رسوم الطبع؟ فقال له الجنيد: اسكت، ويحك! أي خشبة تريد أن تفسد.
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اِسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ} (54) الأعراف: 54 احتج به من قال: إن القرآن ليس بمخلوق؛ لأن القرآن هو الأمر، والأمر غير الخلق، فالقرآن غير الخلق، فالقرآن غير مخلوق، وأما أن القرآن هو الأمر، فلقوله-عز/ 89 ب/م وجل-: {إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرِينَ (3) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ} (5) الدخان: 3 - 5 ففسر القرآن بالأمر، وأما أن الأمر غير الخلق