يقال: بل عذب فعصى، ما سبق من قول القائل: وقع فلان فمات، فقيل: بل مات فوقع.
ولعلك تنكر أن تعلق العلم بشيء موجب له فقد سبق أن الإرادة والقدرة لا يتعلقان إلا بما يتعلق/ 284/ل به العلم، ومجموع هذه التعلقات موجبة لوقوع متعلقها.
{قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا} (47) مريم: 47 هذا وعد بالاستغفار وفى به في قوله: {وَاِغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضّالِّينَ} (86) الشعراء: 86 فلما أصر أبوه وتبين إبراهيم أنه عدو لله تبرأ منه كما سبق.
{وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا} (53) مريم: 53 وسماه في موضع آخر وزيرا وفى موضع رسولا، وكان جامعا للصفات الثلاث، ولكن موسى كان في الدعوة أشهر منه.
{أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاِجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا} (58) مريم: 58 هل يجوز أن يكون هذا تفسيرا للمنعم عليهم من النبيين في سورة «النساء» في قوله-عز وجل-: {وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً} (69) النساء: 69 أم هؤلاء أعم وأكثر لتناولهم جميع النبيين، والذين في سورة مريم/ 134 أ/م جماعة منهم؟ فيه نظر.
{جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} (61) مريم: 61 إشارة إلى أن النافع هو الإيمان بالغيب إذا العيان لا يكابر، ألا تراه يقول:
«عباده» وهو وصف مدح اقترن بالإيمان بالغيب اللازم عن وعده بالجنات وتصديقهم له وهو يقتضي تعليل مدحهم بإيمانهم الغيبي.
{لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا} (62) مريم: 62 استثناء منقطع، إذا السّلام ليس من جنس اللغو، والاستثناء أحد المخصصات للعموم، وهو متصل ومنقطع؛ فالمتصل ما كان من الجنس، والمنقطع خلافه. هذا المتداول، وله تفسير آخر يأتي إن شاء الله-عز وجل-ذكره في آخر الدخان.