بالمخلوق، وإذا جاز أن يستغاث بموسى فبمحمد صلّى الله عليه وسلّم/ 321 ل أولى؛ لأنه أفضل بإجماع.
ومما يحتج به على ذلك حديث هاجر أم إسماعيل حيث التمست الماء لابنها؛ فلم تجد، فسمعت حسا في بطن الوادي، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث. وهذا في معنى الاستغاثة منها بجبريل، وقد أقرها على ذلك ولم ينكره النبي صلّى الله عليه وسلّم عليها لما حكاه عنها.
ولأن اعتقاد التوحيد من لوازم الإسلام، فإذا رأينا مسلما يستغيث بمخلوق علمنا قطعا / 153 أ/م أنه غير مشرك لذلك المخلوق مع الله عز وجل، وإنما ذلك منه طلب مساعدة، أو توجه إلى الله ببركة ذلك المخلوق، وإذا استصرخ الناس في موقف القيامة بالأنبياء ليشفعوا لهم في التخفيف عنهم، جاز استصراخهم بهم في غير ذلك المقام، وقد صنف الشيخ أبو عبد الله بن نعمان كتابا سماه «مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام» واشتهر هذا الكتاب وأجمع أهل عصره على تلقيه منه بالقبول، وإجماع أهل كل عصر حجة، فالمنكر لذلك مخالف لهذا الإجماع؛ فإن قيل: الآية المذكورة في قصة موسى والإسرائيلي ليست في محل النزاع من وجهين: أحدهما أن موسى حينئذ كان حيا، ونحن إنما نمنع من الاستغاثة بميت. الثاني أن استغاثة صاحب موسى به كان في أمر يمكن موسى فعله وهو إعانته على خصمه وهو أمر معتاد، ونحن إنما نمنع من الاستغاثة بالمخلوق فيما يختص بالله-عز وجل-كالرحمة والمغفرة والرزق والحياة، ونحو ذلك: فلا يقال: يا محمد، اغفر لي أو ارحمني أو ارزقني أو أجبني أو أعطني مالا وولدا؛ لأن ذلك شرك بإجماع.
وأجيب عن الأول بأن الاستغاثة إذا جازت بالحي فبالميت المساوي-فضلا عن الأفضل-أولى؛ لأنه أقرب إلى الله-عز وجل-من الحي لوجوه:
أحدها: أنه في دار الكرامة والجزاء، والحي في دار التكليف.
الثاني: أن الميت تجرد عن عالم الطبيعة القاطعة عن الوصول إلى عالم الآخرة، والحي متلبس بها.
الثالث: أن الشهداء في حياتهم محجوبون، ويعد موتهم أحياء عند ربهم يرزقون.
وعن الثاني: أن ما ذكرتموه أمر مجمع عليه معلوم عند صغير المسلمين-فضلا عن كبيرهم-أن المخلوق على الإطلاق لا يطلب منه ولا ينسب إليه فعل ما اختصت القدرة الإلهية به، وقد رأينا إغمار النار وعامتهم وأبعدهم عن العلم والمعرفة يلوذون بحجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا يزيدون على أن يسألوا الشفاعة والوسيلة: يا رسول، اشفع لنا، يا الله ببركة نبيك اغفر لنا: فصار الكلام في المسألة المفروضة فضلا لا حاجة بأحد من المسلمين إليه.