في نصرته، وقد فصل في السير المعتبرة من ذلك ما لا نطيل بذكره، ولم ينصره هذه النصرة وقطع فيه رحم قومه إلا وهو مؤمن به، ولكنه أخفى إيمانه تقية؛ لأن تدبير الحرب والمكيدة في نصرة الله ورسوله اقتضت ذلك، ولو أظهر خلافهم في الدين لتمالؤوا عليه، ثم لم يثبت لهم، فلما أيقن بالموت أظهر إسلامه كما رواه عنه العباس فيما رواه ابن إسحاق؛ لأنه لم ييأس من نفسه وحرب قومه إلا ذلك الوقت.
الثاني: أن أبا طالب كفل يتيما، وكل من كفل يتيما فهو في الجنة، أما الأولى فلأن أبا طالب كفل محمدا صلّى الله عليه وسلّم يتيما وهو أفضل الأيتام وغيره. وأما الثانية فلقوله صلّى الله عليه وسلّم: «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة» (1) وأشار بإصبعيه، فإذن أبو طالب في الجنة، وذلك يستلزم/ 326 ل إيمانه.
الثالث: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أقره على نكاح زوجته فاطمة بنت أسد أم علي، ولولا أنه مؤمن لما أقره، إذ ليس من دينه نكاح الكافر المسلمة.
الرابع: أن الحديث الصحيح ورد بأن المرء مع من أحب، ولا يشك أحد أن أبا طالب كان/ 155 ل/م يحب النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى إن كان ليؤثره على أولاده، فليكن معه صلّى الله عليه وسلّم عملا بموجب الحديث، وذلك مستلزم لإيمانه.
الخامس: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يحب أبا طالب؛ لأنه كافله وناصره ومربيه وعمه صنو أبيه لأبويه، لا يشك أحد في ذلك، وكل من أحبه النبي صلّى الله عليه وسلّم أولى بذلك، وإن شك شاك في حب النبي صلّى الله عليه وسلّم لأبي طالب فلينظر إلى قوله صلّى الله عليه وسلّم: «جبلت القلوب على حب من أحسن إليها» (2) ولا أحد أحسن إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم إحسان أبي طالب؛ فوجب أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يحبه.
السادس: أن أبا طالب جاهد في الله، وكل من جاهد في الله مؤمن، أما الأولى فلأنه نصر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكل من نصر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهو مجاهد في الله، ومن تأمل السيرة علم أن جهاد أبي طالب في نصرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإقامة دينه وذبه عنه، وحياطته له أفضل الجهاد حين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحده، وقصارى من اتبعه أن يفروا بدينهم إلى الحبشة وغيرها، وقريش بأسرها وأحابيشها وأتباعها ترميه عن قوس واحدة، وأبو طالب يلقى عنه بنحره، هذا مما لا ينكره منصف.