كل حين.
والجواب: أن معتمدنا في أن محمدا خاتم النبيين لا نبي بعده، إنما هو السمع؛ إذ العقل لا يمنع من ذلك، غير أن السمع الذي هو معتمدنا، ينتهي إلى دليل العقل، وتقريره: أن القرآن دل دليل النبوة-وهو المعجز النبوي-على أنه كلام الله-عز وجل-، ودل السمع والعقل على أن كلام الله-عز وجل-حق وصدق، لا يلحقه باطل ولا كذب / 340 ل، وقد صرح بأنه خاتم النبيين الذي لا نبي بعده، فوجب القطع بصحته بهذا الدليل الذي بذاته السمع وغايته العقل، ولم يثبت لنا مثل هذا الدليل على ما ادعته اليهود والنصارى في أن لا نبي بعد نبيهم، بل الواقع كذبهم بظهور محمد صلّى الله عليه وسلّم نبيا بعد المسيح، والمسيح بعد موسى، وأما الفلاسفة فدعواهم مبنية على قدم العالم أو أبديته، فإن كان صاحب هذا السؤال منهم ناظرناه في ذلك الأصل كما سبق، وإن كان من غيرهم؛ فقد اتفقنا وإياه على بطلان قولهم، وزال السؤال واندفع الإشكال.
فإن قيل: قد اعترفتم أن العقل لا يمنع من تجدد النبوة، ثم زعمتم أن دليلكم على عدم تجددها ينتهي إلى العقل، فلزم أن العقل يمنع من تجددها ولا يمنع معا، وهو تناقض.
قلنا: ليس تناقضا، لأن الذي يمنعه وقوع النبوة فيما بعد، والذي لا يمنعه جواز وقوعها، ولا تناقض بينهما، ولا يلزم من نفي الوقوع نفي الجواز.
{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً} (44) الأحزاب: 44 يحتج به الجمهور على رؤية الله-عز وجل-في الآخرة، بناء على أن اللقاء يقتضي الرؤية لغة أو عرفا، وقد سبق.
{وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً} (46) الأحزاب: 46 يحتمل أمرين:
أحدهما: تصديقه صلّى الله عليه وسلّم في الرسالة وأنه إنما دعا إلى الله-عز وجل-بإذن الله لا فضوليا ولا متقولا، فيكون من باب إثبات الرسالة.
ويحتمل أن المراد: وداعيا إلى الله، ثم لا يصل أحد إليه إلا بإذنه، أو لا يهتدي بدعائك أحد إلا بإذنه، كقوله: {يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اِتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} (16) المائدة: 16 فيحتج به على القدرية في أن أحدا لا يستقل بالهداية بدون إذن الله-عز وجل.