الاستدلال بهذه الآيات من يعقل لشرف العقل وأثره وتصرفه، ولم يقل: لآيات لقوم ينقلون-لما لم يكن النقل المجرد وافيا بالغرض في هذا المقام.
{وَقالَ الَّذِينَ اِتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النّارِ} (167) البقرة: 167 عام مطرد إذ لا ينفع الكافر من عمله شيء بشهادة {وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً} (23) الفرقان: 23.
{يا أَيُّهَا النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (168) البقرة: 168 عام مطرد {كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً} البقرة:
168 عام في جميع ما فيها يجوز الأكل منه، وهو مخصوص بالحرام، لا يجوز أكله بدليل قوله -عز وجل-: {حَلالاً طَيِّباً} البقرة: 168 قيد المأكول بالحلال فكان تخصيصا له.
{وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ} البقرة: 168 عام مطرد إذ لا خير في شيء من خطواته، ولا بركة في شيء من متابعته {إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ} (169) البقرة: 169 اختلف في «إنّما»: هل تقتضي الحصر، وهو إثبات الحكم لما بعدها، ونفيه عما عداه، أم لا؟ .
فيه أقوال؛ ثالثها أنها تقتضيه بعرف الاستعمال لا بوضع اللغة.
حجة الحصر من وجهين:
أحدهما: أنها وردت له في بعض الاستعمال، فلو كانت لغيره لزم إما الاشتراك أو المجاز وكلاهما خلاف الأصل.
الثاني: أن «إنما» مركبة من «إن» المثبتة و «ما» النافية، فأفادت إثباتا ونفيا كما قبل التركيب، وهو إثبات المذكور ونفيه عما عداه، إذ عكسه باطل باتفاق.
واعترض عليه أما على الوجه الأول، فبأنها وردت لغير الحصر، فلو وردت له أيضا لزم الاشتراك أو المجاز.
وأما على الثاني فلا نسلم أنها مركبة بل موضوعة وضعا أولا كذلك، سلمناه لكن لا نسلم أن «ما» فيها نافية لجواز أنها زائدة أو غيرها من أقسام «ما» سلمناه، لكن لا نسلم أنها/ 41/ل تفيد بعد التركيب ما أفادته قبله، إذ ذلك منقوض ب «لولا» أفادت بعد