قال الحافظ جلال الدين السّيوطىّ: وكان يقول: أنا حنفىّ الأصول، شافعىّ الفروع. وكان يستحضر المذهبين، ويفتى فيهما.
وقال تلميذه، الولىّ العراقىّ: أخبرنى أنّه كان يفتى فى بلادهم على مذهب أبى حنيفة أيضا، وكان يستحضره. وكان يقول: أنا حنفىّ الاعتقاد والعبادات، ربّانى أبى على ذلك. وكان لا يرفع يديه فى ركوع الصلاة وسجودها. انتهى.
قلت: حيث كان الشيخ، رحمه الله تعالى، مفنّنا لمعرفة مذهب أبى حنيفة، حافظا لأصوله وفروعه، عاملا بهما فى اعتقاداته ودياناته، فالأليق به أن يذكر فى طبقات السّادة الحنفيّة، لا فى طبقات الشافعيّة، وكونه يعرف مذهب الشافعىّ أيضا، ويفتى فيه لمن سأله، لا يمنع من ذلك، فإنّما هو زيادة علم وفضيلة، وهو بمنزلة من يعرف مذهبين أو أكثر، ولكن يعتقد مذهبا واحدا، وينسب إليه. فإن قيل: كيف حلّ له مباشرة بعض مدارس الشافعيّة، وأخذ معلومها، كما سيأتى، مع كون ذلك مخالفا لشرط الواقف بها، وهو لا يجوز؟ قلت: يمكن أن يجاب بأنّ الشيخ، رحمه الله تعالى، كان يرى أنّ المدرّس يستحقّ الجامكيّة على معرفة المذهب، ونشره إيّاه، لا على اعتقاده والتعبّد به، وفاقا لما نقله الشيخ سراج الدين ابن الملقّن، فى «طبقات الشافعيّة»، عن عزّ الدين بن عبد السلام الشافعىّ.
قال الحافظ السّيوطىّ فى حقّ صاحب الترجمة: كان يحلّ «الكشّاف»، و «الحاوى» حلاّ إليه المنتهى، حتى يظنّ أنّه يحفظهما، ويحسن إلى الطّلبة بجاهه وماله، مع الدّين المتين، والتواضع الزائد، والعظمة، وكثرة الخير، وعدم الشّرّ.
ولما قدم القاهرة، استقرّ فى تدريس الشافعيّة بالشّيخونيّة، ومشيخة البيبرسيّة.
وكان اسمه عبيد الله، فكان لا يرضى ذلك ولا يكتبه، لموافقته اسم عبيد الله بن زياد، قاتل الحسين رضى الله تعالى عنه، ولعن قاتله.
وكانت لحيته طويلة، بحيث تصل إلى قدمه؟؟؟، ولا ينام إلاّ وهى فى كيس، وإذا ركب تنفرق فرقتين، فكان عوامّ مصر يقولون إذا رأوه: سبحان الخالق، فيقول هو: عوامّ مصر مؤمنون حقّا؛ لأنّهم يستدلّون بالصّنعة على الصّانع.
أخذ عنه الشيخ عزّ الدين ابن جماعة، والولىّ العراقىّ، وغيرهما.
وروى عنه البرهان الحلبىّ، وغيره.