وعن أبى وهب، أنّه قال (١): مرّ ابن المبارك برجل أعمى، فقال له: أسألك أن تدعو الله أن يردّ علىّ بصرى. قال: فدعا الله، فردّ عليه بصره وأنا انظر.
وعن سويد بن سعيد، قال: رأيت عبد الله بن المبارك بمكة أتى زمزم، فاستقى منه شربة، ثم استقبل الكعبة فقال: اللهمّ إن ابن أبى الموّال حدّثنا، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، عن النبىّ ﷺ، أنّه قال: «ماء زمزم لما شرب له» (٢)، وهذا أشربه لعطش القيامة. ثم شربه.
وعن عبد الله بن سنان، قال: كنت مع ابن المبارك، والمعتمر بن سليمان، بطرسوس، فصاح الناس: النّفير، النفير. قال: فخرج ابن المبارك والمعتمر، وخرج الناس، فلما اصطفّ المسلمون والعدوّ، خرج علج من الرّوم يطلب البراز، فخرج إليه رجل مسلم، فشدّ العلج على المسلم، فقتل المسلم، حتى قتل ستّة من المسلمين مبارزة، فجعل يتبختر بين الصّفّين، يطلب المبارزة، لا يخرج إليه أحد، قال: فالتفت إلىّ ابن المبارك فقال: يا عبد الله، إن حدث بى حدث الموت، فافعل كذا وكذا.
قال: وحرّك دابّته، وخرج العلج، فعالج معه ساعة، فقتل العلج، وطلب المبارزة، فخرج إليه علج آخر، فقتله، حتى قتل ستّة من العلوج مبارزة، وطلب البراز، فكأنّهم كاعوا عنه، فضرب دابّته، ونظر بين الصّفّين، وغاب، فلم أشعر بشئ إلاّ وابن المبارك فى الموضع الذى كان فيه، فقال لى: يا عبد الله لئن حدّثت بهذا أحدا وأنا حىّ. وذكر كلمة. قال: فما حدّثت به أحدا وهو حىّ.
وعن محمد بن إبراهيم بن أبى سكينة، قال: أملى علىّ عبد الله بن المبارك هذه الأبيات بطرسوس، وودّعته للخروج، وأنفذها معى إلى الفضيل بن عياض، فى سنة سبعين ومائة، وفى رواية، سنة سبع وسبعين ومائة (٣):
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا … لعلمت أنّك فى العبادة تلعب
من كان يخضب خدّه بدموعه … فنحورنا بدمائنا تتخضّب
(١) تاريخ بغداد ١٠/ ١٦٧.
(٢) أخرجه ابن ماجه، فى: باب الشرب من زمزم، من كتاب المناسك. سنن ابن ماجه ٢/ ١٠١٨.
(٣) الشعر فى: سير أعلام النبلاء ٨/ ٣٦٤، وطبقات الشافعية الكبرى ٢٨٧،١/ ٢٨٦.