ومن هنا أخذ الجزّار قوله (١):
أكلّف نفسى كلّ يوم وليلة … هموما على من لا أفوز بخيره
كما سوّد القصّار فى الشمس وجهه … ليجهد فى تبييض أثواب غيره
وحدّث جعفر بن قدامة، قال (١): كنّا عند عبد الله بن المعتزّ، ومعنا النّمرىّ، وحضرت الصّلاة، فقام النّمرىّ فصلّى صلاة خفيفة جدّا، ثم دعا بعد انقضاء صلواته، وسجد سجدة طويلة جدّا، حتى استثقله جميع من حضر بسببها، وعبد الله ينظر متعجّبا، ثم قال (٢):
صلاتك بين الملا نقرة … كما اختلس الجرعة الوالغ (٣)
وتسجد من بعدها سجدة … كما ختم المزود الفارغ
قال (٤): وكنّا عند ابن المعتزّ يوما، ومعنا النّمرىّ، وعنده جارية لبعض بنات المعتزّ تغنّيه، وكانت محسنة، إلاّ أنّها كانت فى نهاية القبح، فجعل عبد الله يجمّشها (٥) ويتعاشق، فلمّا قامت، قال له النّمرىّ: أيّها الأمير، سألتك بالله، أتعشق هذه التى قطّ ما رأيت أقبح منها؟ فقال وهو يضحك (٦):
قلبى وثّاب إلى ذا وذا … ليس يرى شيئا فيأباه (٧)
يهيم بالحسن كما ينبغى … ويرحم القبح فيهواه
قال (٨): وكنت أشرب (٩) مع عبد الله بن المعتزّ، فى يوم من أيّام الرّبيع بالعبّاسيّة، والدنيا كالجنّة المزخرفة، فقال عبد الله:
حبّذا آذار شهرا … فيه للنّور انتشار
(١) الأغانى ٢٨٤،١٠/ ٢٨٣، ومعاهد التنصيص ٢/ ٤١.
(٢) البيتان فى الديوان أيضا ٢/ ١٦.
(٣) فى الديوان: «كما استلب».
(٤) الأغانى ١٠/ ٢٨٤، ومعاهد التنصيص ٢/ ٤١.
(٥) التجميش: المغازلة والملاعبة.
(٦) البيتان فى الديوان أيضا ١/ ٦٣.
(٧) فى الديوان: «أيرى وثاب».
(٨) الأغانى ١٠/ ٢٨٥، ومعاهد التنصيص ٤٢،٢/ ٤١.
(٩) فى الأغانى: «أسرح».