إنّ الخلنجىّ من تتايهه … أثقل باد لنا بطلعته
ماتيه ذى نخوة مناسبة … بين أخاوينه وقصعته
يصالح الخصم من يخاصمه … خوفا من الجور فى قضيّته
قال: وشهرت الأبيات والقصّة ببغداذ، وعمل علويّة حكاية أعطاها الرّفّايين والمخنّثين، فأخرجوه فيها، وكان علويّة يعاديه لمنازعة كانت بينهما، ففضحه، واستعفى الخلنجىّ من القضاء ببغداذ، وسأل أن يولّى بعض الكور البعيدة، فولّى جند دمشق أو حمص، فلما ولّى المأمون الخلافة، غنّاه علويّة بشعر الخلنجىّ، وهو هذا (١):
برئت من الإسلام إن كان ذا الذى … أتاك به الواشون عنّى كما قالوا
ولكنّهم لمّا رأوك غريّة … بهجرى تواصوا بالنّميمة واحتالوا
فقد صرت أذنا للوشاة سميعة … ينالون من عرضى ولو شئت ما نالوا
فقال له المأمون: من يقول هذا الشعر؟ قال: قاضى دمشق. فأمر المأمون بإحضاره، وكتب إلى صاحب دمشق بإشخاصه، فأشخص، وجلس المأمون، وأحضر علويّة، ودعا بالقاضى، فقال: أنشدنى قولك:
*برئت من الإسلام إن كان ذا الذى*
فقال: يا أمير المؤمنين، هذه الأبيات قلتها من منذ أربعين سنة وأنا صبىّ، ووالّذى أكرمك بالخلافة، وورّثك ميراث النّبوّة، ما قلت شعرا من أكثر من عشرين سنة، إلاّ فى زهد، أو عتاب/صديق. فقال له: اجلس. فجلس، فناوله قدح نبيذ كان فى يده، فقال له: اشرب. فأرعد وبكى، وأخذ القدح من يده، وقال: والله يا أمير المؤمنين ما غيّرت الماء بشئ قطّ ممّا يختلف فى تحليله. فقال: لعلّك تريد نبيذ التّمر والزّبيب؟ فقال: لا والله يا أمير المؤمنين، ما أعرف شيئا منهما، فأخذ القدح من يده، وقال:
أما والله لو شربت شيئا من هذا لضربت عنقك، ولكن ظننت أنّك صادق فى قولك كلّه، ولكن لا يتولّى القضاء أبدا رجل بدأ فى قوله بالبراءة من الإسلام، انصرف إلى منزلك. وأمر علويّة فغيّر هذه الكلمة، وجعل مكانها: حرمت منائى منك. ورويت هذه القصة لغير الخلنجىّ. والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
***
(١) انظر القصة فى: تاريخ الطبرى ٦٥٧،٨/ ٦٥٦.