بغير اختيار، ثم توجّه إلى مدينة بروسة، وجعلها دار إقامته، وبنى بها مسجدا ومدرسة. ومات سنة تسع (١) وخمسين وتسعمائة.
وكان حسن الأخلاق، حليم النّفس، يلتذّ بالعفو عن الزّلّة، كما يلتذّ الأحمق بالعقاب عليها.
وله تعليقات وحواش ورسائل، ضاعت جميعها، ولم يظهر منها شئ؛ لما ذكرناه من اختلال عقله. رحمه الله تعالى.
***
١٢٨٦ - عبد القادر الرّومىّ الحميدىّ الاستازنلىّ (*)
أحد فضلاء الدّيار الرّوميّة.
قرأ على المولى على الطّوسىّ، وكان شريكا عنده للمولى الخيّالىّ، وصار معلّما للسلطان محمد خان، وتقرّب عنده غاية التّقرّب، حتى حسده الوزير محمود باشا، فاتّفق فى بعض الأيام أنّه حصل فى مزاج المولى عبد القادر ضعف وفتور، وأرسل إليه السلطان محمد يطلبه لأجل مصاحبته، فتعلّل بالمرض، ولم يحضر إليه، ثم إنّ بعض أتباع المولى المذكور حسّن له السّير إلى بعض البساتين، والتّنزّه بها، وقال له: إنّ هواها يعدل المزاج، ويغنى عن العلاج. فتوجّه إلى الأماكن المتنزهة، وصحب معه جماعة من ظرفاء بلاده، فأنهى الوزير الأمر فى ذلك إلى السلطان، وقال: إنّه يترفّع عن مصاحبتك، ويميل إلى مصاحبة العامّة والسّوقة. فسأل السلطان عن ذلك، فوجد الأمر صحيحا، فعزله من ساعته، وأبعده عن ساحته. ويقال: إن هذا الأمر كان ابتداؤه بتدبير الوزير، ليصل إلى غرضه، على أنّ المولى المذكور توجّه إلى وطنه، وأقام به قليلا، ومرض، ومات (٢)، رحمه الله تعالى.
وكان كثيرا ما يتبجّح عند السلطان محمد، ويقول: إنّ السّيّد والتّفتازانىّ لو كانا حيّين فى زمنه، لحملا غاشية سرجه. وكان السلطان يشمئزّ من قوله هذا، ولا يعجبه، فجمع بينه وبين المولى خواجا زاده، وأمرهما بأن يتناظرا بحضرته، فامتثلا أمره، وانقطع صاحب الترجمة، وأفحم.
قلت: كذا جرت عادة الله تعالى مع كلّ مدّع يطعن على من تقدّمه من أهل العلم، ويزعم أنّه
(١) فى الشقائق: «خمس».
(*) ترجمته فى: الشقائق النعمانية ١/ ٢٧٧ - ٢٧٩. وهكذا ورد فى النسخ: «الاستازنلى». ولعل صوابه: «الاسبارتى». فقد جاء فى الشقائق أن أصله من قصبة اسبارته.
(٢) كان ذلك بعد سنة خمس وخمسين وثمانمائة، حيث تولى السلطان محمد خان فى هذه السنة. انظر: الشقائق النعمانية ١/ ١٨١.