تهاون بك، وصغرت منزلتك عنده، فكن منه كما أنت من النار، تنتفع منها (١)، وتتباعد عنها (٢)؛ فإن السلطان لا يرى لأحد ما يرى لنفسه. وإيّاك وكثرة الكلام بين يديه، فإنه يأخذ عليك ما قلته، ليرى من نفسه بين يدى حاشيته أنه أعلم منك وأنه يخطّئك، فتصغر فى أعين قومه. ولتكن إذا دخلت عليه تعرف قدرك وقدر غيرك، ولا تدخل عليه وعنده من أهل العلم من لا تعرفه؛ فإنك إن كنت أدون حالا منه لعلّك ترتفع عليه فيضرّك، وإن كنت أعلم منه لعلّك تنحطّ عنه فتسقط بذلك من عين السّلطان. وإذا عرض عليك شيئا من أعماله، فلا تقبل منه إلاّ بعد أن تعلم أنه يرضاك، ويرضى مذهبك فى العلم والقضايا؛ كيلا تحتاج إلى ارتكاب مذهب غيرك فى الحكومات. ولا تواصل أولياء السّلطان وحاشيته، بل تقرب إليه فقط، وتباعد عن حاشيته؛ ليكون مجدك وجاهك باقيا.
ولا تتكلّم بين يدى العامّة إلاّ بما تسأل عنه.
وإيّاك والكلام فى العامّة والتّجّار إلاّ بما يرجع إلى العلم؛ كيلا يوقف على حبّك ورغبتك فى المال؛ فإنّهم يسيئون الظّنّ بك، ويعتقدون ميلك إلى أخذ الرّشوة منهم.
ولا تضحك، ولا تبتسم بين يدى العامّة.
ولا تكثر الخروج إلى الأسواق.
ولا تكلّم المراهقين فإنهم فتنة، ولا بأس أن تكلّم الأطفال، وتمسح رءوسهم.
ولا تمش فى قارعة الطّريق مع المشايخ والعامّة، فإنك إن قدّمتهم ازدرى (٣) بعلمك، وإن أخّرتهم ازدرى بك من حيث إنهم أسنّ منك، (٤) قال النبىّ (٤) ﷺ (٥):
«من لم يرحم صغيرنا، ولم يوقّر كبيرنا، فليس منّا».
ولا تقعد على قوارع الطّريق، فإذا دعاك ذلك فاقعد فى المسجد.
(١) ساقط من الأشباه والنظائر.
(٢) فى الأشباه والنظائر: «ولا تدن منها».
(٣) فى الأشباه والنظائر بعد هذا زيادة: «ذلك».
(٤ - ٤) فى الأشباه والنظائر: «فإن النبى».
(٥) فى الأشباه والنظائر بعد هذا زيادة: «قال».