وعرض عليه قضاء العسكر، فقبله، وباشره أحسن مباشرة، وقرّب أهل الفضل، وأبعد أهل الجهل.
ثم إنّ السّلطان عزله، وأعطاه قضاء بروسة، وولاية الأوقاف بها، فلم يزل بها ينفّذ الأحكام، ويعدل بين الأخصام، إلى أن ورد عليه مرسوم مخالف للشّرع الشريف، فحرقه، وعزّر من هو بيده.
فلما بلغ السّلطان ذلك عزله عن القضاء، ووقع بينهما بسبب ذلك منافرة ووحشة.
فرحل الكورانىّ إلى الدّيار المصريّة، وكان سلطانها إذ ذاك الملك الأشرف قايتباى، فأكرمه غاية الإكرام، وأقبل عليه الإقبال التامّ، وأقام عنده مدّة، وهو على نهاية من الإجلال والتّعظيم.
ثم إنّ السّلطان محمّدا ندم على ما فعل، وأرسل إلى قايتباى، يلتمس منه إرساله إليه، فذكر ذلك للكورانىّ، ثم قال له: لا تذهب إليه؛ فإنّى أكرمك فوق ما يكرمك.
فقال له الكورانىّ: نعم أعرف ذلك، إلاّ أن بينى وبينه محبّة أكيدة، كما بين الوالد والولد، وما وقع بيننا من التّنافر لا يزيلها، وهو يعرف أنّى أميل إليه بالطّبع، فإذا امتنعت من الذهاب إليه، لا يفهم إلاّ أن المنع كان من جانبك، فتقع بينكما عداوة.
فاستحسن السّلطان قايتباى منه ذلك، وأهبّ له ما يحتاج إليه فى السّفر، ووهبه مالا جزيلا، وأرسل معه بهدايا عظيمة إلى السّلطان محمّد خان.
فلما وصل إليه أكرمه فوق العادة، وفوّض إليه قضاء بروسة، فأقام به مدّة.
ثم فوّض إليه منصب الفتوى بالدّيار الرّوميّة، وعيّن له كل يوم مائتى درهم، وكلّ شهر عشرين ألف درهم، وكلّ سنة خمسين ألف درهم، سوى ما كان يتفقّده به من الهدايا والتّحف، والعبيد والجوارى.
وعاش فى كنف حمايته فى نعم وافرة، وإدرارات متكاثرة.
وصنّف هناك «تفسير القرآن الكريم»، وسمّاه «غاية الأمانى فى تفسير السّبع