أشرف عليه؛ فكأنه لماّ زاد على العشرين كان بمثابة المشرف عليها، ومنه قول الشاعر (١):
حللت برابية رأسها … على كلّ رابية نيّف (٢)
واختلف فى مقداره، فذكر أبو زيد أنه ما بين العقدين، وقال غيره: هو الواحد إلى الثلاثة.
قال الصّفدىّ: ولعل هذا الأقرب إلى الصّحيح.
وقولهم: بضع عشرة سنة. البضع أكثر ما يستعمل فيما بين الثلاث إلى العشر. وقيل: بل هو ما دون نصف العقد. وقد انزوى القول الأول إلى النبىّ ﷺ (٣)، فى تفسير قوله تعالى (٤): ﴿وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾، وذلك أن المسلمين كانوا يحبّون أن تظهر الرّوم على فارس؛ لأنهم أهل كتاب، وكان المشركون يميلون إلى أهل فارس؛ لأنهم أهل أوثان، فلما بشّر الله تعالى المسلمين بأن الرّوم سيغلبون فى بضع سنين، سرّ المسلمون بذلك، ثم إن أبا بكر رضى الله تعالى عنه بادر إلى مشركى قريش، فأخبرهم بما نزل عليهم فيه، فقال ابىّ بن خلف: خاطرنى على ذلك. فخاطره على خمس قلائص، وقدّر له مدّة الثلاث سنين، ثم أتى النبىّ ﷺ، فسأله كم البضع، فقال، ما بين الثلاث إلى العشر. فأخبره بما خاطر به أبىّ بن خلف. فقال: «ما حملك على تقريب المدّة؟»، فقال: الثّقة بالله ورسوله ﷺ. فقال النبىّ ﷺ:
«عد إليهم فزدهم فى الخطر وازدد فى الأجل». فزادهم قلوصين، وازداد منهم فى الأجل سنتين، فأظفر الله تعالى الرّوم بفارس قبل انقضاء الأجل الثانى، تصديقا لتقدير أبى بكر ﵁.
وكان أبىّ قد مات من جرح رسول الله ﷺ، فأخذ أبو بكر الخطر من ورثة أبىّ، فقال النبىّ ﷺ: «تصدّق به» وكانت المخاطرة بينهما قبل تحريم القمار.
(١) هو عدى بن الرقاع، والبيت فى اللسان (ن و ف) ٩/ ٣٤٢.
(٢) فى اللسان: «ولدت» مكان: «حللت»، وفيه: «ترابية رأسها»، وهو خطأ.
(٣) انظر الروايات فى الدر المنثور ١٥١،٥/ ١٥٠، وتفسير ابن كثير ٢/ ٤٢٢ - ٤٢٤.
(٤) سورة الروم ٤،٣.