حكى أنه سأل بعض حواشيه: ما يقول الناس عنّى؟، وألحّ عليه.
فقال: يقولون إنك ما تحفظ القرآن الكريم.
فدخل من وقته، وحفظه فى أقلّ من ستة أشهر، حفظا متقنا.
وقال السّيد الشريف سراج الدين عبد اللطيف الفاسىّ، قاضى القضاة الحنابلة بمكة:
قدمت على القان شاه رخّ فى بعض سفراتى إليه، فوجّهنى إلى ألغ بيك صاحب سمرقند، فلما وصلت إليه، رحّب بى، وأكرمنى غاية الإكرام، وأخذ يحادثنى فى بعض الأيام، ويسألنى عن كيفيّة الحرم الشريف، وكيف مثال الكعبة، والحجر الأسود وغير ذلك، فصرت أصف له كلّ ما بالحرم من البناء وغير ذلك، وهو لا يكرّر منى اللفظ، بل يفهمه من أوّل مرّة كأنه رآه، فذهل عقلى ممّا رأيت من ذكائه المفرط، وصرت كلما جالسته بعد ذلك أسمع منه من الغرائب ما أتعجّب منه، من كثرة (١) محفوظه للشعر، واستشهاده على ما يحكيه من الحكايات بكلام العرب، وحفظه للتاريخ، ومع ذلك يعتذر بقلّة معرفته باللغة العربية.
وتذاكرت معه أيضا فجرى ذكر أشراف مكة بنى حسن، فقال بعض من حضر: هم أولاد جوار، فأنشد ألغ بيك المذكور فى الحال قول الشاعر:
لا تحقرنّ امرءا من أن تكون له … أمّ من التّرك أو سوداء عجماء
فإنّما أمّهات الناس أوعية … مستودعات وللأحساب آباء
انتهى كلام الشيخ سراج الدين باختصار.
وألغ بيك هذا، هو أسنّ أولاد أبيه شاه رخّ، ولما مات أبوه، أقامت زوجته فى الملك ولد ولدها علاء الدولة، وتركت ولدها ألغ بيك، فلما بلغ ألغ بيك ذلك جمع العساكر، وتوجّه إلى هراة، واستولى عليها، وهزم أمّه، وابن أخيه منها، وأخذ غالب خزائن والده، وعاد إلى سمرقند مؤيّدا منصورا.
وأقام بها إلى أن خرج عن طاعته ولده عبد اللطيف، وخلعه من السّلطنة، واستولى على مملكته، ثم إنه قتله، فى خبر طويل.
ويحكى أنه قال حين أمر بقتله: والله، لقد علمت أن هلاكى على يد ولدى عبد اللطيف هذا، من يوم ولد، لكن أنسانى القدر ذلك، ووالله لا يعيش بعدى إلا خمسة
(١) فى ط: «كثرة» دون «من»، وفى ن: «وكثرة»، والمثبت فى: س.