وكان تثليث المشترى والقمر، فدرّس ذلك اليوم، وأقبل عليه صرغتمش إقبالا عظيما، فقدّر أنه لم يعش بعد ذلك سوى سنة ونصف، بل أقلّ من ذلك.
قال ابن حجر: وكان لمّا قدم دمشق صلّى مع النائب، وهو يلبغا، فرأى إمامه رفع (١) يديه عند الرّكوع والرّفع منه، فأعلم الإتقانىّ يلبغا، أنّ صلاته باطلة على مذهب أبى حنيفة، فبلغ ذلك القاضى تقىّ الدين السّبكىّ، فصنّف «رسالة فى الرّدّ عليه»، فوقف عليها، فجمع «جزءا»، فى إثبات (٢) ما قاله، وأسند ذلك عن مكحول النّسفىّ أنه حكاه عن أبى حنيفة، وبالغ فى ذلك، إلى أن أصغى إليه النائب، وعمل بقوله.
قال: واختصّ بصرغتمش، وأشار عليه بأن قصر مدرسته على الحنفيّة دون غيرهم، وكان شديد التّعاظم، متعصّبا لنفسه جدّا، حتى قال فى «شرحه» للأخسيكثىّ: لو كان الأسلاف فى الحياة، لقال أبو حنيفة: اجتهدت. ولقال أبو يوسف: نار البيان أوقدت. ولقال محمد:
أحسنت. ولقال زفر: أتقنت. ولقال الحسن (٣): أمعنت. واستمرّ هكذا، حتى ذكر أعيان الحنفيّة.
وقال الصّفدىّ، فى ترجمته: كان متعصّبا على الشّافعيّة، متظاهرا بالغضّ منهم، يتمنّى تلافهم، واجتهد فى ذلك بالشّام، فما أفاد، ودخل مصر، وهو/مصرّ على العناد، وكان شديد الإعجاب (٤).
وشرح «الهداية» شرحا حافلا، وحدّث ب «الموطّأ» رواية محمد بن الحسن، بإسناد نازل (٥).
وقال ابن حبيب: كان رأسا فى مذهب أبى حنيفة، بارعا فى اللغة والعربية، كثير الإعجاب بنفسه، شديد التّعصّب على من خالفه.
قلت: لا يخفى على من عنده أدنى تأمّل، ووقف على مؤلّفات الإتقانىّ، أنّ ما ذكره ابن حجر، ونقله عن الصّفدىّ وغيره، فى حقّ الشيخ، أنه كان من المجمع على علمه،
(١) فى الدرر: «يرفع».
(٢) فى الدرر: «تبيين» وفى حاشيته: «تثبيت».
(٣) تكملة من الدرر الكامنة.
(٤) آخر قول الصفدى، كما جاء فى الدرر.
(٥) بعد هذا فى الدرر زيادة: «جدا».