قال أنس بن مالك، رضى الله تعالى عنه: خدمته نحوا من عشر سنين، فو الله ما صحبته فى حضر ولا سفر لأخدمه إلاّ كانت خدمته لى أكثر من خدمتى له،/وما قال لى أفّ قطّ، ولا قال لشئ فعلته: لم فعلت كذا. ولا لشئ لم أفعله: ألا فعلت كذا.
وكان رسول الله ﷺ فى سفر، فأمر بإصلاح شاة، فقال رجل: يا رسول الله، علىّ ذبحها.
وقال آخر: علىّ سلخها.
وقال آخر: علىّ طبخها.
فقال رسول الله ﷺ: «وعلىّ جمع الحطب».
فقالوا: يا رسول الله، نحن نكفيك.
فقال: «قد علمت أنّكم تكفوننى، ولكن أكره أن أتميّز عليكم؛ فإنّ الله يكره من عبده أن يراه متميّزا بين أصحابه». وقام فجمع الحطب.
وكان فى سفر، فنزل إلى الصّلاة، ثم كرّ راجعا.
فقيل: يا رسول الله، أين تريد؟
فقال: «أعقل ناقتى».
فقالوا: نحن نعقلها.
قال: «لا يستعن أحدكم بالنّاس ولو فى قضمة من سواك».
وكان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، وإذا انتهى إلى القوم جلس حيث انتهى به المجلس، ويأمر بذلك، ويعطى كلّ أحد من جلسائه نصيبه، لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، وإذا جلس إليه أحدهم لم يقم ﷺ حتى يقوم الذى جلس إليه، إلا أن يستعجله أمر، فيستأذنه. ولا يقابل أحدا بما يكره، ولا يجزى السّيّئة بمثلها، بل يعفو ويصفح.
وكان يعود المرضى، ويحبّ المساكين، ويجالسهم، ويشهد جنائزهم، ولا يحقّر فقيرا لفقره، ولا يهاب ملكا لملكه.