شاطئ البحر بعسقلان، وقد طلع البدر، وألقى شعاعه على البحر، فقال الملك الناصر مرتجلا: (١)
يا ليلة قطّعت عمر ظلامها … بمدامة صفراء ذات تأجّج
بالسّاحل النّامى روائح نشره … عن روضه المتضوّع المتأرّج (٢)
واليمّ زاه قد هدا تيّاره … من بعد طول تقلّق وتموّج
طورا تدغدغه الشّمال وتارة … يكرى فتوقظه بنات الخزرج
والبدر قد ألقى سنا أنواره … فى لجّه المتجعّد المتدبّج (٣)
فكأنّه إذ قدّ صفحة متنه … بشعاعه المتوقّد المتوهّج
نهر تكوّن من نضار يانع … يجرى على أرض من الفيروزج (٤)
وقال أيضا:
يا راكبا من أعالى الشّام يجذبه … إلى العراقين إدلاج وإسحار
حدّثتنى عن ربوع طالما قضيت … للنّفس فيها لبانات وأوطار
لدى رياض سقاها المزن ديمته … وزانها زهر غضّ ونوّار
شحّ النّدى أن يسقّيها مجاجته … فجادها مفعم الشّؤبوب مدرار
بكت عليها الغوادى وهى ضاحكة … وراحت الريح فيها وهى معطار
يا حسنها حين زانتها جواسقها … وأينعت فى أعالى الدّوح أثمار
فهى السماء اخضرارا فى جوانبها … كواكب زهر تبدو وأقمار
ومنها:
كرّر على نازح شطّ المزار به … حديثك العذب لا شطّت بك الدّار
وعلّل النّفس عنهم بالحديث بهم … إنّ الحديث عن الأحباب أسمار
وقال، يتضرّع إلى الله تعالى، ويشكو أهله وأقاربه:
أيا ربّ إنّ الأقرباء تباعدوا … وعوملت منهم بالقطيعة والهجر
(١) الأبيات فى: فوات الوفيات ١/ ٣١٢.
(٢) فى ن: «روائح نشرها».
(٣) فى ن: «المتجعد المتدعج».
(٤) فى فوات الوفيات: «نهر تلون».